قرأت للدكتور فضل بن عمار العماري مقالة بعنوان: (الخطّ) نشرها في العدد السابع والأربعين، السنة الثالثة عشرة، الربع الرابع من عام 2007، من مجلة (الواحة) الزاهرة، قسّم فيها تحديدات القدماء والمعاصرين للخط، مستنداً على الكتب الآتية:
1- معجم ما استعجم، للبكري.
2- معجم البلدان، لياقوت الحموي.
3- المعجم الجغرافي للبلاد السعودية - المنطقة الشرقية (البحرين قديماً)، لعلامة الجزيرة حمد الجاسر.
4- صحيح الأخبار لابن بليهد.
5- تاج العروس، للزبِيدي.
6- لسان العرب لابن منظور.
7- دواوين عدد من الشعراء العرب.
وقد وجدت أن الموضوع بحاجة إلى مزيد من تسليط الضوء عليه، فكان هذا التعقيب.
1- البلاذري، أحمد بن يحيى المتوفَّى سنة 279 هـ قال: «فتحها العلاء بن الحضرمي»[1] (*).
2- ثعلب، أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني المتوفَّى سنة 291هـ قال: «الخط جزيرة بالبحرين»[2] . (والراجح فيها أن الخط ميناء على الخليج العربي، تمر به السفن الآتية من الهند، واليها تنسب الرماح الخطية التي تجلب قناها من الهند بحراً، ثم تقوَّم فيها، ثم تباع في بقية أنحاء الجزيرة)[3] .
3 - ابن خرداذبة، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله، المتوفَّى سنة 300هـ قال: «إن قرى البحرين هي الخط والقطيف والارة وهجر والفروق وبينونة.... والمشقر، والزارة وجواثا... وسابور، ودارين والغاية والشنون»[4] .
4- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، المتوفَّى سنة 310 هـ قال: «كانت الخط وحدة إدارية، وكان يسكنها الزط[5] ، والسيابجة[6] ، الذين انضموا إلى المرتدين في البحرين عام 11هـ»[7] .
ويحدثنا التاريخ أن الملك الساساني سابور بن هرمز، المعروف بسابور ذي الأكتاف (310 – 379م) سار في البلاد حتى أتى بلاد البحرين، وفيها يومئذ بنو تميم، فأمعن في قتلهم، ففر من قدر على الفرار، فأراد اللحاق بهم، ولكن عمرو بن تميم بن مر، وهو سيد تميم يومئذ، تحدث إليه حديثا لطيفاً أقنعه بالكف عمن بقي، وكان عمرو قد بلغ ما بلغ، فتركهم سابور وشأنهم[8] . ويظهر من روايات أهل الأخبار أن السبب الذي دعا (سابوراً) إلى الفتك بالعرب، هو أن القبائل العربية كانت قد توغلت في جنوب إيران، وصار لها سلطان كبير هناك، وتزايد عددها، ثم صارت تتدخل في الأمور الداخلية للدولة الساسانية. فلما أخذ (سابور) الأمور بيديه بدأ يضرب هذه القبائل، للقضاء على سلطانها، ثم قطع البحر فورد (الخط)، فقتل من بلاد البحرين خلقاً كثيراً، وأفشى القتل في (هَجر)، وكان بها ناس من أعراب تميم، وبكر بن وائل، وعبد القيس، ثم عطف على بلاد عبد القيس فأباد أهلها إلا من هرب منهم، فلحق بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل بها كثيراً أيضاً[9] . وقام (سابور) بعمليات واسعة لإجلاء القبائل من منازلها إلى منازل أخرى جديدة، ضماناً لعدم قيامها بغارات على الحدود، وقد أجلى بعض عشائر تغلب إلى البحرين حيث أُنزِلوا (دارين) وهي (هيج)، وأسكن عشائر أخرى الخط[10] .
5- ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن، المتوفَّى سنة 321 هـ، قال: «الخط هو سيف البحرين وعمان»[11] .
6- ابن الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم، المتوفي سنة 328 هـ، قال: «يطلق الخط على سواحل البحرين»[12] .
7- الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، المتوفَّى سنة 370 هـ، قال: «يطلق الخط على المنطقة الساحلية في البحرين، ويعد من قراه القطيف والعقير وقطر»[13] .
8- ابن حزم الأندلسي، المتوفَّى سنة 456هـ، قال: «وفي سنة 67هـ وجه نجدة بن عامر الحنفي قوة من الخوارج الى الخط فظفروا بسكانها، إذ أرسل سرية بقيادة داود العكلي»[14] .
وقال الأزهري: (وبعد تلك الحادثة اختفى ذكر الخط، مما يدل على فقدان أهميتها)[15] .
9- ياقوت الحموي المتوفَّى سنة 626هـ، قال: «في الخط نخيل كثيرة، ومياه جوفية عذبة، وحصون مبنية من الحجارة»[16] .
10- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، المتوفَّى سنة 808هـ (إن الخط بجانب البحرين)[17] .
11 - الأحسائي، محمد بن عبد الله قال: «الخط من مدن البحرين القديمة، وتسمى اليوم (بيضاء الخط) قرب الجبيل»[18] .
تشكر الواحة السادة الباحثين والكتاب كافة على مساهماتهم الثمينة، بمدهم لها بكل جديد قيم يحاول أن يلبي رغبات السادة القراء الأعزاء، بغية تحقيق القدر الأكبر من الانتفاع بالدراسات والبحوث الهادفة للكشف عن تاريخ وتراث شرق الجزيرة العربية وتمحيصه.
ولا تنسى التنويه بفضل كلٍّ من الدكتور فضل العماري والأستاذ عبدالجبار السامرائي لجهدهما المميز في هذا المضمار، وهي ترى رأي الدكتور السامرائي: (أن الموضوع بحاجة إلى مزيد من تسليط الضوء عليه).
فمما لا مرية فيه أن هذه المنطقة شاب تاريخها كثير، وكثيرٌ جدًّا، من الخلط واللبس والإبهام والابتسار، والتشويه، على الرغم من دورها الهام في مسيرة الحضارة الإنسانية، ومساهمتها الكبيرة فيها.
وسبب الخلط واللبس -كما لا يخفى- أن جُلَّ من كتبوا عنها ليسوا من أهلها، ومن عَلِم منهم بشيء عنها فعلمه لا يتجاوز اسمها، بل إن بعضهم يجهل حتى موضعها، والأمثلة على ذلك تجلُّ عن الحصر، فما نقرؤه في كتب التراث عنها أكثره من سنخ رأي الزمخشري: (الخَطُّ: فرضةٌ بالبحر ترفيء إليها السفن التي تجيء من الهند)[19] ، وقول أبي العباس المبرِّد: (وخَطِّيٌّ: رمح منسوب إلى الخط، وهي جزيرة بالبحرين، يقال إنها تنبت عصا الرماح)[20] ، وهذا عين ما علمه الشمشاطي عنها، في قوله: (الخطِّية: منسوبةٌ إِلى الخَطّ، وهي جزيرة بالبحرين، والرُّدَيْنِيّة: منسوبةٌ إِلى رُدَيْنَةَ، امرأة تبيع القَنَا بالخَطّ)[21] ، فهما يجعلانها جزيرة بالبحرين. وهذا ليس أكثر وهما مما وقع فيه الأصمعي بقوله: (ليست بها رماح، ولكن سفينة كانت وقعت إليها، فيها رماح، وأرفئت بها في بعض السنين المتقدمة، فقيل لتلك الرماح: الخطية: ثم عمَّ كل رمح هذا النسب إلى اليوم)[22] . كذا، مرة في العمر جنحت إليها سفينة تحمل رماحًا فسميت بها؛ تماماً كأن لم تكن السفن من أشهر صناعاتها.
ثم يأتي الصفدي بما لا تستطيع أن تأتي به جهينة، فيقول: (ويقولون: القنا الخِطِّية. والصواب: الخَطّيّة، بالفتح، منسوب إلى الخَطّ، وليس الخطّ مَنبِتَها، وإنما تأتي بها سفن الهند فتُرفأ في خَطّ البحرين فنسبت إليه، وهو ساحل ترفأ فيه السفن)[23] .
إذن هي مجرَّد مرفأ، وإن تجاوزنا اعتبرناها قرية على الساحل. فإن نحن أمعنا في تتبع ما لدى هؤلاء عنها سنجد العجب العجاب، وعلى القارئ ألا ينكر على ابن هذيل في نقل الخط من مكانها المعهود وقذفها في مكان ما من مجاهل أرض فارس الواسعة، يجهله حتى هو، هكذا: (والخَطِّيُّ من قصب فارس، منسوب إلى «الخَطّ» من أرض فارس تنبت بها)[24] . ومع هذا فقد لا يبدو فيه من الشطط أكثر مما في قول صاحب المعرَّة: (وهم يضربون المثل بحمى «خيبر»، وحمى «القطيف»، والقطيف بنواحي اليمن)[25] .
حقيقة الأمر نحن بحاجة إلى بحوث ودراسات منهجية جادة تفضي إلى تفسير وتحقيق أمثال قول الشاعر الفارس سلامة بن جندل السعدي التميمي:
كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزع
كان الصراخَ لها قرعُ الظنابيبِ
وشدُّ كور على وجناء ناجيةٍ
وشدُّ سرج على جرداءَ سرحوبِ
يقال محبسها أدنى لمرتعها
وإن تعادى ببكءٍ كلُّ ملحوبِ
حتى تُرِكنا وما تُثنَى ظعائننا
يأخذنَ بينَ سوادِ الخطِّ فاللُّوبِ[26]
فاللُّوب، جمع لُوبة: الحرار، جمع حرَّة، أرض حجارتها سود، وهذه المنطقة ليس فيها حرار.
إن دراسة مثل هذا الشعر يثير العديد من الأسئلة، فهذا الشاعر الجاهلي سعدي، تميمي، ومعروف أن بني سعد التميميين لهم مواطن معروفة منذ القدم بشرق جزيرة العرب، لكن أين؟ وإلى أين تمتد، ويمتد نفوذ القبيلة؟
العراق به موضع يسمى «لوبة» بين واسط والبطائح[27] ، والشاعر يتحدث عن نطاق تمرح فيه ظعائن قبيلته بين الخط واللُّوب لا يمنعها فيه مانع. تَرى، هل إنَّ هذا النطاق هو ما بين الخط والحجاز حيث تكثر الحرار؟ أم بينها وبين والعراق حيث تقع لوبة؟
ومثيل هذا من الأسئلة يثيره الحارث بن حِلِّزة اليشكري في معلقته بقوله[28] :
هل علمتم أيام يُنتَهَب النا
سُ غِواراً لكلِّ حيٍّ عُواءُ؟
إذ رفعنا الجمال من سعف البحـ
ـرين سيراً حتى نهاها الحساء
فهزمنا جَمْعَ ابن أمِّ قطام
وله فارسيةٌ خضراء
يعلم أهل اللغة أن (حتى) الغالب على معانيها انتهاء الغاية، بمعنى إلى، وإذن فهي عند الحارث خارجة عن البحرين، ولا يخفى أن الشاعر بكري، وبكر من مشاهير قبائل البحرين، وغاراتها مع أخواتها عبد القيس على برِّ فارس معلومة، كما أن صنمها «أوال» وقد عرفت به كبرى جزر البحرين، مشهور، فهو لا يهرف بما لا يعرف، ولاسيما أن المعلقة قالها الشاعر في منافرةٍ عقدت في قصر الملك عمرو بن هند، وأي خطأ أو وهن فيها سيكون له أثره الكارثي المدمر على الشاعر وقبيلته، وما يعرفه اللغويون أن «الحساء» لغة في الأحساء، وهي مشهورة في بلاد البحرين، ومنذ اتخذها القرامطة مركزاً لهم حلت محل هجر. أما هذا الشاعر فيقول لنا إن جمالهم تسير من البحرين إلى الحساء، فماذا يعني؟
لغةً: الحِساء هي الأحساء عينها، فكلاهما جمع حِسي، وهو باختصار شديد: المكان تحفظ أرضه المطر، فإذا نُبِث نبط منه الماء، ليس في هذا خلاف، لكن المعضلة تكمن في تشابه الأسماء، فالجغرافيون يتحدثون عن أحساء عديدة: أحساء بني سعد بحذاء هجر، وأحساء لجديلة طيء، بأجأ، وأحساء خرشاف، وأحساء القطيف، وأحساء في طريق مكة بحذاء الحاجر، والأحساء: مدينة بالبحرين معروفة مشهورة[29] .
والحساء، بهذا الرسم ترسم الأحساء مدينة البحرين نفسها، ويرد معها الحساء، (ماء لبني فزارة بين الربَذَة ونخل يقال لمكانها ذو حساء، وحساء ريث فوق فرتاج حيث تلتقي طيءٌ وأسد بأرض نجد، وحساً (منكَّراً) واد بأرض الشرَبَّة من ديار عبس وغطفان. قال لبيد:
ويوم أجازت قُلَّةَ الحَزْن منهم
مواكب، تعلو ذا حساً وقنابلُ[30]
وتهدئة لخواطر القراء فإن القنابل هنا الطائفة من الناس، ومن الخيل، فجرير لم يقصد القنابل الذكية بقوله:
جَرَّ القَنابِلَ مَيمونٌ نَقيبَتُهُ
يَغشى بِهِنَّ سُهولَ الأَرضِ وَالجَدَدا
وإنما قصد الخيل.
تشابه الأسماء، إذن معضلة ينبغي للباحث التنبه إليها.
خذ مثلاً ما قاله الجغرافيون عن (ناظرة)، قالوا: (ناظرة بالظاء المعجمة بلفظ اسم الفاعل المؤنث من: نظر: جبل من أعلى الشقيق، وقال ابن دريد: موضع أو جبل، وقال الخارزنجي: نواظر آكام معروفة بأرض باهلة، وقيل ناظرة وشرج ماءان لعبس[31] .
فأين تقع الشقيق؟ هي عند ياقوت: (ماء لبني أُسَيْد بن عمرو بن تميم، والشقيق بالصغير: من مياه أبي بكر بن كلاب)[32] .
الشقيق اليوم علم على أكثر من بلدة في المملكة، منها: الشقيق مدينة على ساحل البحر الأحمر بين جازان وعسير[33] ، والشقيق، بلدة بحائل[34] ، والشقيق كذلك: بلدة بالأحساء معروفة[35] . وكما الشقيق ناظرة فهي أيضًا، معروفة بالأحساء، ولأدباء الأحساء فيها غزل ظريف: قال الشيخ عبد الله بن علي بن عبد القادر الأحسائي يتظرف مع أخوان له خرجوا ينتزهون في ناظرة، وعاقه عن الانتزاه معه عائق فبعث إليهم يقول:
يا نازلين على كثبان ناظرة
أنا نزلنا على كثبان يبرينا
لسنا سواء نظرتم والهوى قذف
وقد جنينا ثمار الوصل دانينا
فان شربتم على نار يمانية
فقد شربنا على نور أمانينا
وإن تناولتمُ بالكأس لذتها
فقد كرعنا، فيهنيكم ويهنينا
ولأنا لسنا بصدد الاستقصاء نختم بما وجدناه لدى الجغرافيين القدماء عن المنيفة، فهي حسب مالك بن الريب:
أما ترى الدار قفراً لا أنيس بها
إلا الوحوش وأمسى أهلها احتملا
بين المنيفة حيث استن مدفعها
وبين فردة من وحشيِّها قبلا
وقد تقول، وما تخفي، لجارتها
إني أرى مالكَ بنَ الريب قد نحلا
وفردة عند ياقوت جبل بالبادية، أو هي ماء بالثلبوت، أو ماء لجرم، ومع تذبذبه بين الماء والجبل فهي - في كل الأحوال - بديار طيء[36] .
أما في أبيات مَعْقِل بن جَناب
وتروى لجَعْدَة بن مُعاوِية العُقَيْلِيّ، وبعضهم يراها للصمة القشيري على اختلاف في الرواية فالمنيفة تصبح هكذا:
أقُولُ لصاحِبِي والعِيسُ تَهْوِي
بِنا بَيْنَ المُنِيفَةِ فالضِّمارِ
تَمَتَّعْ مِن شَمِيمِ عَرارِ نَجْدٍ
فما بَعْدَ العَشِيَّةِ مِن عَرارِ
أَلاَ يا حَبَّذا نَفَحاتُ نَجْدٍ
ورَيَّا رَوْضِهِ غِبَّ القِطارِ
وأَهْلُكَ إذْ يَحُلُّ الحَيُّ نَجْداً
وأنتَ على زَمانِكَ غيرُ زارِ
شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعَرْنا
بِأَنْصافٍ لهُنَّ ولا سِرارِ
وبعيدا عن التباين في الآراء بين ما يراه الشيخ الجاسر من أن الضمار، صوابها الغمار، فإن الضمار عند ياقوت بين نجد واليمامة[37] ، أما الغِمار فهو عنده موضع، وواد بنجد وحسب[38] .
لكن من ذا الذي يجهل موقع المنيفة اليوم على الساحل شمال رأس الغار، خصوصاً سكان المنطقة الشرقية[39] ؟
إن البحوث التي تستهدف الإجابة على هذه الأسئلة وما ماثلها ستكون – بلا شك – موضع ترحيب الواحة، ونتمنى على الأساتذة الباحثين الأفاضل تقديم المزيد منها لقرائها الأعزاء.
382232 | افتتاحيات | رسالة إلى القراء | مخطوطات ووثائق | أدب وشعر | ثقافة وفكر | إصدارات | تاريخ وتراث | ملف العدد | منوعات | شخصيات | تعقيبات | الأخيرة | صفحات قديمة | أخبار الواحة | هيئة التحرير |