لا تزال رمال الأحساء تُخفي العديد من كنوزها ومعالمها العريقة، الغنية بالحضارة والتراث، ومنها العديد من المستوطنات البشرية في الشمال والشرق.
وكما أخفت الرمال تلك المعالم، نجِد أن المعاجم والمصادر التاريخية قد أخفت ذكر هذه المعالم وغيرها، أيضاً، إلا ما ندر، حيث يُقتصر - أحياناً - على ذكر المَعْلَم دون تحديد موضعه بالدقة، أو تحديد تاريخ أو سبب اندثاره.
وشمال الأحساء لا يقل – من حيث الأهمية والمكانة الأثرية - عن مركزه وشرقه، فمن معالمه:
1- عيون الأحساء الشهيرة، ومنها: عين (مُحَلّم) التاريخية والمعروفة بعين (الحارة)[1] ، وعين (السُحيمية) التاريخية، وعين (أم سبعة)، حيث جاء في دراسة نشرت سنة 1410هـ حدّد فيها الباحثون العمر الزمني لعين أم سبعة باستخدام (الكربون المشع 14)، فقدروا عمرها بـ(29600) سنة، وبيّنت الدراسة أن عين (أم سبعة) أقدم من عيون (الجوهرية، والحارة، والحقل، والخدود)، وأن عيون شمال الأحساء أقدم من غيرها، وأنها أكثر ارتفاعاً في درجة الحرارة مما يدل، أيضاً، على عمقها[2] ، وهي من العيون الطبيعية التدفق، وترجع لحقب زمانية بعيدة جدًّا حتى نُسبت إلى العمالقة لقدمها[3] .
2- مدينة (جواثى) التاريخية: حيث مسجد عبد القيس.
3- مركز(القرامطة): حيث مدينة الأحساء التاريخية بقرية البطالية.
4– ناحية (العيون): المنتسب إليها الزعماء العيونيون الذين قضوا على قرامطة الأحساء سنة 469هـ.
وقد اهتم العثمانيون مبكراً بشمال الأحساء حيث أفردوا لهذه المنطقة لواءً مستقلاً هو(عيون سنجاغي) أو (لواء العيون)، إذ تمت الإشارة إلى وجوده بتاريخ ذي القعدة سنة 961هـ، وقاعدته بلدة (العيون) المعروفة، ويتبعه عدد من القرى المجاورة، وكان هذا اللواء على قدر من الأهمية سواءً من ناحية السكان، أم من حيث إمكاناته الزراعية، وربما كان لوفرة المياه وخصوبة التربة أثر كبير في ذلك، حيث تشير بعض الأحكام الخاصة بلواء العيون، المتعلقة بمنح التيمار والزعامة والترقيات إلى أن ذلك اللواء كان - في تلك الأثناء - ينتج قدراً كبيراً من المحاصيل الزراعية. كما ترد الإشارة إلى أن ذلك اللواء كان له دور في الأوضاع العامة للإيالة، فعندما باشر (مصطفى باشا) أمير أمراء إيالة الحسا حملته على البحرين سنة 966هـ قام بتكليف أمير اللواء (عثمان بكي) بإدارة شؤون الإيالة مؤقتاً بالإضافة إلى عمله كأمير للواء العيون[4] .
5- قرية المُزيرعة: وهي قرية لبني عامر بن الحارث من بني عبد القيس[5] ، والمرجّح أنها الآن غرب قرية القرين، وجنوب قرية (الشقيق)، والمقام عليها مساكن الشقيق الحديثة، والتي يفصلها عن الشقيق القديمة الطريق العام المزفت[6] ، وقد ذكر صاحب تاريخ الأحساء بأنه توجد رسوم قرية كبيرة مجاورة للشقيق[7] .
6- قرية البابة: والواقعة بالقرب من قرية المطيرفي والمرجّح أنها كانت عامرة إلى ما بعد سنة 1166هـ، فيما ورد في سيرة العلامة الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي[8] ، والتي بقي منها أطلال مسجدها إلى الآن بين بساتين قريتي المطيرفي والشقيق.[9]
7- قرية السُحيمية: التي كانت في المنطقة الزراعية المعروفة حتى الآن بـ(السُحيمية)، الواقعة جنوب عين (أم سبعة) وشمال شرق عين (منصور) والتي كانت تُسقى مزارعها من مياه هاتين العينين[10] .
8- قرية الموازن: كانت تقع غرب جنوب قرية القرين، ولعلها كانت بها بعض أملاك الشاعر ابن المقرب العيوني (572 - 631هـ)، كما جاء في تحقيق حديث لشرح ديوانه[11] .
إضافة إلى قرية (الجونين)، وقلعة (محيرس)، ومواضع: (كنزان)، و(الجرعاء)، و(محصّنة الشمال)، وغيرها.
كما ذكر (فيدال) بعض المواضع الأثرية المجهولة في الأحساء، ومنها ما هو في شمالها[12] .
لعل الصواب في اسمها هو: (الموازن)، وينطقها الأهالي: (أم مازن)، وهي من القرى الشمالية، حيث كانت تقع بالقرب من قرى (القرين، والشقيق، والمطيرفي)، والأقرب لها قرية القرين، إذْ تقع على بُعد نحو (2 كم)، غرب جنوب مساكن القرية، وشمال شرق منطقة (السُحيمية) الزراعية الشهيرة، في النقطة التي تمثل على خط الطول (49:3512 شرق)، وعلى دائرة العرض (25:2834 شمال)، ويمكن الوصول إلى موضعها بالسيارة في بداية مدخل القرين الغربي، عبر الطريق القادم من شمال عين أم سبعة، وهي قرية صغيرة مندثرة لم يبق منها سوى أطلال مسجدها المبني من الطين، وهي واقعة ضمن منطقة زراعية تحيط بها البساتين والحقول الزراعية من جميع الجهات، وبعد خرابها تم زراعة موضعها من قِبل المجاورين لها، وكانوا يشاهدون بوضوح العديد من الكِسر الفخاريّة على سطح أرضها، والجزء الجنوبي الشرقي منها يُمثل - على ما يبدو- تلة جبلية صغيره، وما تبقى من موضعها الآن هو أرض فضاء، تبدو صُلبة ومرتفعة، وقد تكون مساحتها – الأصلية - في الماضي أكبر مما تبدو عليه الآن.
صورة جوية لموضع قرية(الموازن الشمالية) سـنة 1430هـ.
ومما يؤسف له أنه لا يوجد ذكر مُفصّل لهذه القرية في ما اطلعت عليه، ولم يمكن الوقوف على وثائق تخصها، ولا على سبب اندثارها أو خرابها أو هجرة أهلها وأصولهم، فقد تكون قرية قديمة، أو كانت تُعرف باسم آخر في الماضي.
وقد ذُكرت باسمها الصريح (قرية الموازن) مرتين ضمن حدود مزرعة الأرز المعروفة بـ (المردغانة)، التي كانت تابعة لقرية (السُحيمية) ضمن أراضي الأحساء، ومزارعها الميرية التابعة للدولة العثمانية حسب إحصاء سنة 1293هـ[13] ، ولا يمكن الجزم بكونها قرية عامرة في ذلك التاريخ، والظاهر أنها كانت معروفة الموقع والحدود عند المجاورين لها آنذاك.
ويرى بعض أهالي قرية القرين أن قرية (الموازن) هذه هي القرين سابقاً، إلاّ أن هذا أمرٌ لا يقوم عليه دليل، ومنشأ هذا الالتباس - كما يُستفاد من رواية الأهالي - أن أهالي قرية (الموازن) هذه بعد - خراب قريتهم قبل حدود (300) سنة، أو أقل بقليل - استوطنوا القُرى المجاورة لهم، ولا سيما قرى: القرين والمطيرفي والشقيق، ومدينة المبرز أيضاً.
ويقول كبار السن من الأهالي المعاصرين، أنهم لم يدركوا هذه القرية، وإنما سمعوا عنها من آبائهم وأجدادهم، وقد وقف على موضع هذه القرية المؤرخ الشيخ جواد بن حسين الرمضان الأحسائي بتاريخ 27/8/1423هـ، وكان من ملاحظاته أنها قرية صغيرة تعود لمئات السنين.
ويقع مسجد هذه القرية - الموجود حالياً – في جنوبها على ما يبدو، وتُقدر مساحته الإجمالية بحوالي (100م2)، جزؤه الأمامي مسقوف، له محراب في وسطه، وبقية المساحة تُشكل فناء المسجد، وأرض المسجد مرتفعة عن المنطقة الزراعية المجاورة له، ورغم ذلك فقد انهار سقفه، وتهدمت جدرانه بسبب العوامل الجويّة وعدم تدعيم أساساته، ويقول بعض الأهالي من مجاوري المسجد أنه قد جُدد بناؤه مرتين في الماضي، ولعل عمارته الثانية كانت قبل سنة 1364هـ، بإشراف الشيخ محمد بن أحمد الحليمي من أهالي قرية الشعبة، المتوفى سنة الرحمة[14] (1365هـ)[15] ، حيث كان يؤم الجماعة لمجاوري المسجد للصلاة فيه[16] ، وتم الانتهاء من إعادة بناء جزء منه، مؤخراً، بالطين وجذوع الأشجار، بتاريخ 1/12/1424هـ، ولا يزال عامراً بالمصلين المجاورين له.
وكان يمر غرب هذا المسجد –في الماضي– نهر (الْغْدَيِّر) أحد أنهار عين أم سبعة الجارية، ولا يبعد عن المسجد سوى خطوات، قادماً من جِصّة ماء (العشوة) جنوباً، حيث يمر غرب قرية (الموازن ) هذه، ومسجدها، ثم يتجه شمالاً حتى بستان (عتيّجه).
أما مقبرة هذه القرية فيُقال إنها تقع إلى الغرب والجنوب منها، وهي غير قائمة بذاتها الآن، وتقع ضمن الأراضي الزراعية في تلك المنطقة.
وفي تحقيق حديث لشرح ديوان ابن المقرب العيوني (572- 631 هـ) وبالتحديد قول الشاعر:
وهل أينع الوادي الشمالي واكتست
عثاكيل قنوانٍ حدائقه الغلبُ
قال شارح الديوان: (الوادي وهو ما اطمأن من الأرض، يعني به ها هنا قرية من سواد الأحساء تسقيها عينٌ تسمى بالسُحيمية، وبتلك القرية أكثر أملاكه [ومنازل أسرته] المغصوبة)، قال المحققون:
(يُطلق مسمى السُحيمية في الأحساء اليوم على موضع نخل كبير يقع إلى الجنوب من عين أم سبعة وإلى الشمال من عين منصور، بحيث كانت هذه العين الأخيرة تسقيها كلها، ولاشك أن هذا هو الموضع المقصود بالوادي الشمالي، أما القرية المذكورة هنا أنها من سواد الأحساء فهو لم يُورد اسمها، فإذا كانت عين منصور - الذي يدل اسمها على حداثته - هي عين السُحيمية المذكورة في الشرح، فإن هذه القرية تكون واقعة إلى الشمال من عين منصور، لأن تدفّق مجرى هذه العين الطبيعي هو إلى الشمال والشمال الشرقي بحيث تسقي أملاك الشاعر المغتصبة في هذه القرية، والجدير بالذكر أنه يوجد بالفعل شمال شرق السُحيمية آثار قرية مندثرة كانت تعرف باسم قرية (الموازن) أو(أم مازن) كما ينطقها البعض، فلا نعرف إن كانت هي المقصودة هنا في الشرح والتي كان بها أملاك الشاعر المغصوبة أم لا)[17] .
وفي موضع آخر يقول المحققون: (فإن موقع سكن الشاعر وأهل بيته هو في السُحيمية وماجاورها)[18] .
إذاً قد تكون القرية التي بها أملاك الشاعر ابن المقرب المعنية في شرح البيت المذكور هي قرية (السُحيمية) أو قرية (الموازن) القريبة منها، والظاهر أنها الأولى والله أعلم.
ومن أسماء العوائل والأُسر التي يُقال إنها كانت ساكنة في هذه القرية المندثرة: (العلي، المعني، الحميد، البدر، الكاظم، السلمان، البجحان، الدرويش، البخيتان، الخويتم، الموازني، البراهيم، الصقر)، ويُقال إن زعامة هذه القرية (المختارية) كانت في عدة أُسر، منها أسرة (البدر)، ومنهم المختار طاهر البدر، وهو جد الحاج علي بن حسن بن طاهر البدر، الذي كان متوطناً بقرية القرين، والمتوفى بها سنة1390هـ، وله أبناء معاصرون في القرين هم: محمد وطاهر وعبد الله[19] .
وكذلك يُقال إن زعامة هذه القرية (المختارية) كانت، أيضاً، في أُسرة (الخويتم)، وذلك قبل حدود سنة 1200هـ، وكانت قرية القرين تابعة لهم، أيضاً، في المختارية، ولعل ذلك كان بصفة مؤقتة، حيث توطنت أسرة (الخويتم) قرية القرين بعد خراب قريتهم (الموازن)، ثم استوطنوا بعدها قرية (المطيرفي)، وكانت لهم بها الزعامة أيضاً[20] ، ومنهم العمدة الحاج علي بن عبد الله بن علي الخويتم، وابنه العمدة الحاج عبد الله بن علي الخويتم، الذي ذكره فيدال سنة 1371هـ[21] ، ولا يزال بعض أفراد هذه الأسرة الكريمة يقطن بلدة المطيرفي إلى يومنا هذا.
الجدير بالذكر أنه توجد في شرق جنوب الأحساء قرية دَرَست معالمها تُعرف، أيضاً، باسم (الموازن)، وقد ذكرت كقرية مستقلة باسم (قرية موازن) في أحد السجلات العثمانية سنة 1293هـ[22] ، وتُميّز – أحياناً - بـ(الموازن الجنوبيه)، كما جاء في إحدى الوثائق المحلية بتاريخ 16/11/1298هـ[23] ، ولعل ذلك يُفيد أن قرية (الموازن) الشمالية - موضع الحديث - كانت قائمة أو معروفة على الأقل وقت تحرير الوثيقة المذكورة. كما يُستفاد من روايات الأهالي أنها كانت قرية قائمة بذاتها قبل أكثر من (200) سنة.
و(الموازن) هو اسم لبطن كبير ورئيس في قبيلة (الأزد)، نسبة لمازن بن الأزد بن الغوث[24] ، ولعل لها صلة بهذه القرية أيضاً، كما يُستفاد من أنساب بعض سُكانها.
وممن ذكر (الموازن) الجنوبية: الدكتور السبيعي، ذكر أن فيها أملاك للدائرة السَنْية للدولة العثمانية[25] ، كما ذكر مثل ذلك صاحب أعلام هجر، حيث ذكر أن من قرى الأحساء المندثرة قرية «أم مازن»، ولم يبق منها إلا مسجدها، وهو المعروف بمسجد (جويخ)، وهي قرب قرية بني معن[26] ، وذكر مثل ذلك الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، إلاّ أنه لم يُحدد موضع القرية[27] ، كما ذكرها الشيخ أحمد البراهيم في مجلة الواحة[28] .
ويبدو واضحاً أنهما اسمان متشابهان لموضعين مختلفين، أحدهما في شرق الأحساء والآخر في شمالها.
ويوجد اليوم في عوائل الأحساء من يحمل لقب (الموازني)، و(المازني)، ومن المرجّح، جداًّ، أن لهم صلة وثيقة بهاتين القريتين أو إحداهما - والله أعلم.
ولو قُدِّر لهذا الموضع عمل توثيق ومسح أثري، فلربما كَشف عن المزيد من المعلومات، وأزاح بعض الغموض عن هذا الموضع الدارس من أحسائنا العريقة.
هذا ما أمكن الوقوف عليه من أخبار هذه القرية والله أعلم.
الجزء المبني مؤخراً من مسجد(الموازن الشمالية)، وسط النخيلا
382232 | افتتاحيات | رسالة إلى القراء | مخطوطات ووثائق | أدب وشعر | ثقافة وفكر | إصدارات | تاريخ وتراث | ملف العدد | منوعات | شخصيات | تعقيبات | الأخيرة | صفحات قديمة | أخبار الواحة | هيئة التحرير |