قد يموت بعض الأشخاص ويموت معهم ذكرهم، وقد يموت البعض الآخر ويحيا بعدهم ذكرهم، وقد يكون لآخرين ذكر حيٌّ، وسيرة عطرة في حياتهم، وبعد مماتهم، وتبقى الأجيال تردد ذكرهم، وتستنشق من عبير حياتهم دروساً وعبراً، فهم رجال مثلنا ولكن لهم ذكرى راسخة لا تقدر على محوها الأيام والليالي، ولا يزال يتردد صداها في ذاكرة الأمة، ومن هؤلاء العظماء المرجع السيد هاشم بن السيد أحمد آل سلمان الأحسائي، الذي نحن - بعون الله - بصدد الكلام عن لمحات من حياته، وأثره العظيم، ودوره الرائد في منطقة الأحساء.
بادئ ذي بدء لم أكن أتصور أني سأواجه وأكابد كل هذا العنت والتعب في سبيل الحصول على معلومات شبه مفصلة عن حياة عالم ومرجع مشهور في المنطقة مثل السيد هاشم هذا؛ حيث أنه أول مرجع نعلمه ووصلتنا سيرته من مدينة المبرز يقلده الناس في الأحساء، وفي بعض بلدان الخليج المجاورة، ولكن المفاجأة أنه، فعلاً، لا يوجد سجل مفصل، ولا حتى مختصر، اللهم إلا أسطر معدودة عن حياة هذا المرجع الأحسائي الكبير حتى في موطنه ومسقط رأسه.
وكم عانيت من البحث والاستجداء، وأحياناً الانتظار ربما لشهر أو شهرين من أجل الحصول على معلومة لا تزيد على نصف سطر في الكتابة، ولكنه التوثيق وما يتطلب، وعلى هذا خرج بحثنا - بعد عملية مخاض شاقة - بتوفيق من الله وتعاون المخلصين.
سندير موضوع البحث على ثلاثة محاور:
1- الوضع العلمي والديني في الأحساء قبل عصر السيد آل سلمان.
2- لمحات من حياة السيد هاشم آل سلمان.
3- الدور الرائد للسيد هاشم في منطقة الأحساء.
لقد تأثرت الأحساء في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، والنصف الأول من القرن الثالث عشر الهجريين بحركتين دينيتين ترتبت عليهما تغيرات وتحولات اجتماعية ومذهبية وسياسية كبيرة وواضحة، وهاتان الحركتان هما:
لقد كان أثر هذه الحركة أعظم ما يكون في الجانبين السياسي والاجتماعي في منطقتي نجد والأحساء، وكان أثرها كبيرًا، أيضاً، على الجانب الديني والمذهبي في نجد، وعند الأخوة من أهل السنة في الأحساء، فهم ما بين مؤيد ومعارض لها.
لقد دخلت الأحساء عام 1208هـ تحت نفوذ الدولة السعودية الأولى المتبنية لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأثناء تلك الفترة هجر الأحساء الكثير من العلماء، وفي طليعتهم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت 1241هـ)، وقد هاجر مع أولاده، ومن هؤلاء العلماء، كذلك، الشيخ حسين آل عيثان، المتوفَّى في إيران عام 1240هـ[1] ، والشيخ أحمد بن الشيخ محمد المحسني (ت 1247هـ)، وولده الشيخ حسن اللذان نزحا من الأحساء عام 1214هـ[2] ، وعلماء من آل المزيدي استقروا في البصرة[3] ، والشيخ عبد المحسن اللويمي البلادي وعائلته الذين هاجروا إلى (سيرجان) في إيران، وتوفي بها عام 1245هـ[4] ، والشيخ عبد الله الدندن الذي هاجر إلى العراق مع عائلته، وفيما بعد السيد محمد بن أحمد السويج الذي سكن البصرة، وتوفي في كرمنشاه في إيران عام 1345هـ[5] ، وغيرهم.
كما ذهب ضحية تلك الفترة بعض العلماء الذين لم يتركوا الأحساء، ومنهم الشيخ علي بن الشيخ عبد الله آل رمضان في مدينة المبرز عام 1210هـ[6] ، والشيخ موسى بن محمد الصائغ في المبرز، أيضاً، عام 1210هـ، وكذلك الشيخ علي بن الشيخ محمد آل رمضان، في مدينة الهفوف عام 1266هـ[7] ، كما هاجر بعض علماء الأحساء من أهل السنة ممن لم يكن مؤيداً للدعوة، أو على خلاف معها، ومنهم كبير علماء الحنابلة في الأحساء الشيخ محمد بن عبد الله آل فيروز الذي هاجر إلى البصرة مع بعض تلاميذه، وتوفي بها عام 1216هـ[8] ، وغيره[9] ، وتم إخراج بعض المعارضين للدعوة من الأحساء إلى نجد مثل القاضي الشيخ محمد العدساني، وبعض وجهاء المنطقة، وأقاموا في الدرعية[10] .
كان لهذه الحركة الأثر الأكبر على الطائفة الشيعية في الأحساء، ثم كانت لها تداعيات وأحداث كبيرة وقعت في العراق وإيران بعد ذلك.
ولد الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين المهاشير الأحسائي في قرية المطيرفي من القرى الشمالية في الأحساء عام 1166هـ، فنشأ بها وترعرع وتعلم ودرس عند الشيخ محمد بن الشيخ محسن الربعي، في قرية القرين المجاورة، وعندما بلغ العشرين من عمره هاجر إلى النجف الأشرف في عام 1186هـ، وتنقل بينها وبين كربلاء لحضور دروس مشاهير العلماء - في ذلك الوقت - من أمثال الشيخ محمد باقر البهبهاني، والسيد مهدي بحر العلوم، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، ثم عاد إلى الأحساء بسبب اجتياح الطاعون للعراق[11] .
وممن تتلمذ عليه في الأحساء الشيخ عبد الله بن حسن الدندن أو آل أبي دندن الأحسائي المبرزي، ويبدو أن الشيخ أحمد الأحسائي قد سكن المبرز فترة أو تردد عليها؛ لأنه تتلمذ على الشيخ عبد الله الدندن وهو من سكنة مدينة المبرز[12] ، وأَمَّ المصلين في مسجد المهنا في محلة الشعبة بالمبرز، المتأسس عام 1202هـ لفترة من الزمن[13] ، وهذا يدل على الاحترام والمكانة الكبيرة التي حظي بها الشيخ أحمد في الأحساء بشكل عام، وكأنهم متفقون على إجلاله وتقديره، بل وتقليده في أمورهم الدينية.
وقد درس على يد الشيخ أحمد - في مدينة الهفوف - جمع من التلاميذ، وصلى في أكثر من مسجد من مساجدها؛ مثل مسجد “أبو خمسين”، ومسجد “الحداديد” في محلة الفوارس بالرفعة الجنوبية، لكنه هاجر من الأحساء نهائيًّا عام 1208هـ إلى جزيرة البحرين، ثم إلى العراق في عام 1212هـ[14] ، وعاد فكر الشيخ - مرة أخرى - إلى الأحساء بصورته النهائية بعد تبلوره وتكامله وتشكيله لمدرسة فكرية ذات اتجاه مميز، وذلك بعودة الشيخ محمد بن الشيخ حسين البو خمسين عام 1259هـ[15] ، وتركز وجود أتباع هذه المدرسة في مدينة الهفوف، مسقط رأس الشيخ محمد، ثم غلب على كثير من قرى الأحساء تبعاً لتقليدهم لهذا المرجع الكبير، ولكن الفكر الشيخي تقلص تدريجيًّا من القرى بعد ذلك، وبقي له وجود واضح في مدينة الهفوف[16] .
ورغم بروز مدرستين واضحتين لطائفة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في الأحساء فيما بعد:
الأولى - المدرسة الشيخية ومركزها في الهفوف، والثانية مدرسة المتشرعة[17] ومركزها في المبرز، إلا أن كثيراً من طلاب المدرستين كانوا مختلطين دون فرق، وكانت روح الصفاء والوئام والتعاون سائدة بين أبناء شيعة الأحساء جميعاً، ولم تحصل بينهم نزاعات طائفية، أو جِدالات فكرية عنيفة قد تخلف ضغينة في القلوب، كما حصل - للأسف - في العراق وإيران آنذاك.
ومن أشهر علماء الشيعة الذين برزوا في الفترة الزمنية السابقة مباشرة لعصر السيد هاشم السلمان: الشيخ حسين بن الشيخ علي البو خمسين المتوفى بعد عام 1263هـ، ثم ابنه الشيخ محمد البو خمسين المتوفى عام 1316هـ، والشيخ عبد المحسن بن الشيخ محمد اللويمي المتوفى في سيرجان في إيران عام 1245هـ، والشيخ عبد الله بن محمد آل أبي دندن (من أعلام النصف الثاني من القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر الهجري)، وولداه؛ الشيخ أحمد والشيخ ياسين - من أعلام القرن الثالث عشر الهجري - ومنهم الشيخ عبد الله بن الشيخ علي آل عيثان المتوفى عام 1306هـ، والشيخ حسين المزيدي المتوفى، في كربلاء، عام 1301هـ، والشيخ علي بن الشيخ محمد الرمضان، المتوفى عام 1266هـ، وغيرهم.
ينحدر السادة آل سلمان من السيد سلمان بن محمد بن يوسف بن علي بن إسماعيل بن حسين بن حسن بن إبراهيم بن ناصر بن علي بن صالح بن عيسى بن عبد الله بن جعفر بن موسى بن جعفر بن مسلم بن جعفر بن محمد “صاحب فروزا” بن مسلم بن محمد بن موسى بن علي بن جعفر بن الحسن بن موسى بن جعفر بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق عليهما السلام.
وقد هاجر السيد محمد وعائلته ومنهم ابنه السيد سلمان من الحويزة في منطقة الأهواز في بداية القرن الثاني عشر الهجري بسبب الاضطرابات السياسية، ونشوب حرب بين آل المشعشع حكام الحويزة وقبيلة بني لام في العراق، وذلك عام 1105هـ، واستقروا - بعد طول ترحال - في قرية جد حفص في البحرين، ولم تمض برهة من الزمن حتى نشبت أحداث دامية، أيضاً، في جزيرة البحرين، فهجرها كثير من أهلها إلى القطيف، والبعض الآخر إلى الأحساء، وممن هاجر إلى الأحساء السيد سلمان وأبناؤه، في حدود عام 1151هـ، وسكنوا - بادئ الأمر - في محلة السياسب من مدينة المبرز، ثم انتشروا في قرية المطيرفي، وللسيد سلمان خمسة أبناء هم: صالح وحماد وعلي وحسين وأحمد.
وينحدر أغلب سادة السلمان في الأحساء من السيد حسين بن السيد سلمان، وله أربعة أبناء هم: صالح وناصر وعلي وأحمد[18] ، والأخير هو والد السيد هاشم السلمان الذي نحن بصدد الكلام عنه.
وخلال بحثي لم أجد من ذكر أن السيد أحمد (والد السيد هاشم) كان عالماً، ولو على مستوى محلي، والله أعلم.
يُذكر أن أبناء السيد سلمان كان كل واحد منهم معروفاً بشيء قد اشتهر به، وقيل أن السيد أحمد بن السيد سلمان - وهو عم السيد أحمد، والد السيد هاشم - قد اشتهر بكتابه أو كتبه[19] ، وبالفعل كان عالماً من فضلاء بداية القرن الثالث عشر الهجري، وكان معاصرًا للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، كما ذكر الرمضان في كتابه “مطلع البدرين”، وأشهر من عُرف من علماء مدينة المبرز قبل مجيء السيد هاشم: علماء الدنادنة، وهم الشيخ عبد الله بن محمد آل أبو دندن من علماء القرن الثاني عشر الهجري، وابناه الشيخ أحمد والشيخ ياسين من علماء القرن الثالث عشر الهجري[20] ، والظاهر أنهم من سكنة شمال محلة العيوني (فريق الجحاحفة) في مدينة المبرز من قديم؛ إذ يرجع أصلهم إلى هذا المكان، ولهم فيه حسينية قديمة تعرف باسمهم، ومسجد معروف بمسجد الشطي[21] .
ولد السيد هاشم بن السيد أحمد آل سلمان في الأحساء[22] في عام 1246هـ[23] في الفترة الثانية والقصيرة من حكم آل حُميد الخوالد، للأحساء، وقبل استيلاء تركي بن عبد الله (أول حكام الدولة السعودية الثانية) على الأحساء بسنتين، ونعرف من إخوانه السيد طاهر، وهو جد السيد أحمد الطاهر المتوفى عام 1417هـ، وأختين كريمتين الأولى هي السيدة هاشمية التي تزوجها الشيخ حسين الخليفة، المتوفى عام 1322هـ، جد الشيخ حسين بن الشيخ محمد الخليفة، المتوفى عام 1426هـ، وأنجب منها الشيخ محسن الخليفة وإخوانه، والثانية السيدة فاطمة التي تزوجها ابن عمها السيد محمد بن السيد علي بن السيد حسين وأنجب منها السيد حسين السلمان القاضي المتوفى عام 1369هـ.
نشأ السيد هاشم وترعرع في مدينة المبرز بالأحساء، وبعد أن شبَّ درس المقدمات الفقهية – لا نستبعد أن يكون ذلك بتشجيع ورعاية من والده السيد أحمد بن السيد حسين السلمان - على يد العلامة الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن مال الله الصفار الخطي القطيفي، أصلاً، والأحسائي مسكناً، المتوفى بعد عام 1266هـ، ولا نعرف أحداً من أساتذته في الأحساء غير الشيخ أحمد الصفار[24] ، ودراسته على يد الشيخ أحمد حصلت بعد عودة الشيخ من سيرجان في إيران بعد سنة 1256هـ، حيث أن الشيخ أحمد - قبل هذا التاريخ - كان في سيرجان مع بعض علماء الأحساء الذين نزحوا بسبب الاضطرابات والقلاقل السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة آنذاك[25] ، والشيخ أحمد الصفار كان من سكنة حي الكوت في الهفوف[26] ، وكان يدرس في مدينة الهفوف المقدمات من نحو وصرف وبلاغة ومنطق، بالإضافة إلى بعض الكتب الفقهية منذ ما قبل عام 1222هـ، ثم هاجر إلى سيرجان، كما أسلفنا، وعاد إلى الأحساء بعد سنة 1256هـ.
وبعد عودة الشيخ محمد أبو خمسين إلى الأحساء عام 1259هـ، وتأسيسه لحوزة “أبو خمسين” العلمية في مدينة الهفوف في محلة الفوارس، بجنوب حي الرفعة؛ أصبح الشيخ أحمد بن مال الله الصفار أحد أساتذتها[27] ، فلا نعلم هل درس السيد هاشم السلمان مقدماته الفقهية عند الشيخ أحمد بن مال الله الصفار في منزله بمحلة الكوت، أم في حوزة “أبو خمسين” بمحلة الفوارس والاحتمال الثاني - في نظري - أرجح[28] .
وبعدها هاجر السيد إلى العتبات المقدسة في العراق لإكمال دراسته العلمية، وقد يكون حصل ذلك بعد وفاة أستاذه الشيخ أحمد الصفار في الفترة من 1266هـ إلى 1270هـ[29] ، وعلى هذا يكون السيد في بداية العشرينات من عمره، وقد هاجر، أوَّلاً، إلى مدينة كربلاء المقدسة، وحضر الدرس على علمائها ومن أشهرهم المولى الميرزا محمد باقر بن محمد سليم الحائري الأسكوئي، المتوفَّى سنة 1301هـ[30] ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف - بلد العلم والعلماء - ويقول الشيخ محمد حرز الدين في كتابه (معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء) واصفاً السيد هاشم: (وأقام بها – أي النجف - يحضر على أساتذتها الكبار، وعلمائها الأعلام، ونال العلم الغزير فيها والكرامة، وعد من العلماء المتقين، وأعلام الفقه المحققين، عاصرناه في النجف سيداً جليلاً عالماً عاملاً، ضابطًا لمقدماته، مستحضرًا للفروع الفقهية مع تقى وورع وصلاح وعبادة جدية، وكان أديباً كاملاً شاعراً)[31] .
ولا شك أن السيد مكث فترة طويلة في النجف الأشرف مجدًا مجتهدًا، وذلك من خلال تسمية بعض معاصريه له بالسيد هاشم السلمان الأحسائي المبرزي النجفي، مثل صاحب معارف الرجال حتى بلغ هذه الرتبة الكبيرة وأصبح أستاذًا عظيمًا جليلاً موقَّرًا عند معاصريه.
ومن أشهر علماء وأساتذة النجف في تلك الفترة: الشيخ مرتضى الأنصاري، المتوفى عام 1281هـ، والمولى علي بن الميرزا خليل الخليلي، المتوفى 1296هـ، والسيد حسين الكوهكمري، المتوفى عام 1299هـ، والسيد مهدي بن السيد حسن القزويني، المتوفى عام 1300هـ، والميرزا محمد حسن الشيرازي، المتوفى عام 1312هـ، وقد كان من أساتذة النجف الكبار قبل انتقاله إلى سامراء.
كما أن السيد يروي عن الشيخ عبد علي آل عصفور البوشهري، والشيخ طاهر الأخباري البحراني الشيرازي[32] ، وقد يكون السيد روى عنهما أثناء إقامتهما في كربلاء أو أثناء سفر السيد إلى شيراز، أو بوشهر، واستقراره فترة هناك[33] .
لم أقف - فيما اطلعت عليه من المصادر - على تاريخ محدد يعين سنة عودة السيد هاشم إلى الأحساء؛ لذلك لا نملك غير القرائن التي قد تساعدنا على تقريب زمن العودة.
من المعروف أن ابنه السيد ناصر قد ولد في الأحساء في محلة الشعَبَة عام 1291هـ، وبالتالي لا بد أن السيد هاشم كان موجودا في الأحساء في هذا العام، وعودته قد تكون قبل هذا العام بسنة أو سنتين؛ لأننا لم نلحظ أيَّ نشاط يذكر له قبل هذا التاريخ بكثير، ثم أن هناك - على ما يبدو - بعض الوثائق المخطوطة التي تثبت أن السيد كان موجودا في الأحساء في عام 1291هـ[34] ، وبالتالي القول بأن سنة 1290هـ، مثلاً، هي تاريخ قريب من عودة السيد أمر يمكن ترجيحه، ويحتمل أن السيد قد عاد إلى الأحساء بعد استيلاء العثمانيين عليها في عام 1288هـ[35] ، ويمكننا أن نحتمل أن السيد قد قضى عشرين عاما في العراق وإيران، ثم عشرين عاما بعدها في الأحساء حتى وفاته في عام 1309هـ، والله أعلم بحقيقة الحال.
لم أصل - خلال بحثي - إلى معرفة السيدة الكريمة التي اقترن بها السيد هاشم، وهل كان ذلك قبل سفره للعتبات المقدسة في العراق؟ أم بعدها؟
ونعرف من أولاد السيد ابن واحد عالم ومرجع هو السيد ناصر، المتوفى عام 1358هـ، وكذلك بعض الأولاد الآخرين الذين لم يكونوا من طلبة العلوم الدينية، مثل السيد صالح والسيد كاظم[36] ، وغيرهما، وسيدة جليلة اقترن بها ابن أخته الشيخ محمد الخليفة، وأنجب منها الشيخ حسين الخليفة المتوفى عام 1426هـ، والشيخ صادق الخليفة المتوفى عام 1413هـ[37] ، وسيدة جليلة أخرى اقترن بها ابن اخته الأخرى، وهو السيد حسين العلي القاضي، المتوفى عام 1369هـ، وأنجب منها ابنه السيد محمد العلي القاضي المتوفى عام 1388هـ[38] .
للسيد منزلة علمية كبيرة في بلده الأحساء، وفي العراق وغيرها، وقلده كثير من أهل الأحساء، كما امتدت مرجعيته، أيضاً، إلى البحرين والكويت، والبصرة وأبو شهر، وخوزستان وبعض البلدان الخليجية الأخرى.
فضلاً عما أسلفنا من قول صاحب “معارف الرجال” في حقه، قال عنه صاحب “أنوار البدرين”: (إنه من العلماء الربانيين، والفضلاء المبرزين، والكرماء الأجودين، الذي جمع بين العلم والعمل، والكرم والتقوى، ورأيت له في النجف الأشرف - عند بعض تلامذته - كتابا في أصول الفقه وفروعه من الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والخمس والحج والجهاد، حسنا جيدا متين العبارة، جيد الإشارة، في مجلد ضخم)[39] .
وقال السيد محسن الأمين في أعيانه (في طبقات الشيعة للشيخ علي الجعفري: كان عالما فاضلا محدثا أخباريا شيخيا شاعرا)[40] .
وواضح أن السيد كان متمكنا في الأدب، وبارعا في الشعر، ولكن لم نقف له على شيء من هذه الكتابات الأدبية للأسف الشديد.
1- شرح كتاب تبصرة العلامة الحلي إلى مبحث القبلة، يقع في مجلد ضخم بخط السيد هاشم.
2- منظومة في الطهارة.
3- الأنموذج في الأصول.
4- رسالة في العقائد.
5- رسالة في الأصول.
6- رسالة في تفسير بعض الأحاديث.
7- كشف الغطاء، و هي رسالة في الحكمة.
8- رسالة في العبادات، وهي لعمل مقلديه.
9- أرجوزة في الإرث[41] .
10- أنمودج الحق المبين: وربما يكون نفسه هو الأنمودج في الأصول
11- أرجوزة في التوحيد[42] .
12- الأنموذج في أصول الفقه، ولا ندري هل هذا الكتاب هو نفسه المذكور قبلا باسم أنموذج الحق المبين، والأنموذج في الأصول، أم لا.
13- أجوبة جملة من المسائل.
14- إيضاح السبيل في تمام العبادات، في الفقه الاستدلالي، مختصر، وله مقدمتان؛ إحداهما في أصول العقائد، والأخرى في أصول الفقه[43] ، وقد تكون هاتان المقدمتان هما، نفسهما، رسالة في العقائد، ورسالة في الأصول.
15- شرح طهارة التبصرة، ربما هو نفسه شرح كتاب تبصرة العلامة الحلي في مبحث القبلة.
16- منظومة في الأصول[44] .
عاد السيد إلى وطنه وقد بلغ مرتبة عظيمة من العلم، وكان أستاذًا - على ما يبدو - لبعض التلامذة في النجف الأشرف قبل ذلك.
بعد أن رجع السيد هاشم إلى الأحساء استقر في محلة الشعَبَة بمدينة المبرز، وافتتح أول حوزة علمية شيعية ذات مستوى عالٍ في المدينة، وكان ذلك في منزله، ويبدو أنه مارس التدريس في المنزل عدة سنوات حتى قام الوجيه صالح بن محمد بن جمعة - أحد وجهاء مدينة القطيف، ووالد زعيم القطيف الباشا منصور بن صالح بن جمعة - بالتكفل ببناء المسجد الجامع الجبلي، والحسينية المجاورة له “حسينية السادة”، وكان ذلك في عام 1304هـ، وجعل ولايتهما في يد السيد هاشم، حيث تذكر وثيقة مؤرخة بالثاني والعشرين من شهر ذي القعدة عام 1304هـ تخص تأسيس المسجد والحسينية أن صالح بن جمعة المذكور قام بإيقاف أوقاف خاصة في نخيل الأحساء من أجل الإنفاق على مصالح المسجد والحسينية اللذين بناهما السيد هاشم السلمان، وجعل للمسجد ثلاثة أرباع خراج الأوقاف وللحسينية الربع، والذي يفهم من الوثيقة أن التاريخ المذكور فيها هو تاريخ تأسيس المسجد والحسينية[45] ، وولده منصور باشا بن صالح بن جمعة كان قد تسلم زعامة القطيف بعد وفاة الزعيم أحمد مهدي بن نصر الله عام 1306هـ، والرجل وولده معروفان بكرمهما، وأوقافهما الخيرية الكثيرة، فلصالح بن جمعة أوقاف خيرية أخرى في الأحساء[46] ، ومنصور بن جمعة له أعطيات للقريب والبعيد، وله أوقاف وأعمال خيرية في البحرين والعراق[47] .
وبعد أن تم بناء المسجد الجامع والحسينية في غرب محلة الشعَبَة قام السيد هاشم بنقل مقر تدريسه من منزله إلى الغرفة المستطيلة في سطح الحسينية الممتدة من الجنوب إلى الشمال، وظل السيد يدرس تلاميذه في هذا المكان لمدة قاربت الخمس سنوات حتى وفاته عام 1309هـ، وقد تابع تلامذته - من بعده -التدريس في هذه الحوزة في الغرفة تارة والبيوت تارة أخرى حتى قدوم ابنه السيد ناصر السلمان من النجف الأشرف عام 1357هـ[48] ، ومن أشهر هؤلاء التلامذة الذين تولوا التدريس في حوزة السيد هاشم من بعد وفاته في عام 1309هـ، وحتى القدوم الأخير لنجله السيد ناصر عام 1357هـ يعني لمدة قاربت الثمانية والأربعين عاما نذكر:
1- الشيخ حسين الخليفة المتوفى عام 1322هـ.
2- الشيخ محمد الخليفة المتوفى عام 1348هـ.
3- السيد حسين العلي السلمان المتوفى عام 1369هـ.
وقد تولى السيد هاشم كذلك منصب القضاء في الأحساء[49] ، وكان يشاركه في القضاء الأحسائي، أيضاً، في تلك الفترة الشيخ محمد بن الشيخ حسين أبو خمسين، حيث كان السيد هاشم يقيم في المبرز قاضياً لأهلها، ولبعض القرى المجاورة، وكان الشيخ محمد يقيم في الهفوف قاضياً لأهلها، ولكثير من أهل القرى الأحسائية، كما أن السيد - كما لاحظنا من قبل من خلال بعض الوثائق - كان مسؤولا عن أوقاف كثيرة في المنطقة.
ونلحظ أن مرجعية السيد هاشم في الأحساء كانت معاصرة لمرجعية الشيخ محمد أبو خمسين الأكبر سنًّا، والأقدم شهرة في المنطقة، وصاحب الحوزة المتأسسة قبل حوزة السيد هاشم بسنين طويلة، ولو أن الله سبحانه كتب للسيد هاشم السلمان البقاء لما بعد عام 1316هـ؛ لأصبح المرجع الأوحد، والأكبر لأهل الأحساء قاطبة بعد وفاة الشيخ محمد أبو خمسين بدون منازع، ومع ذلك كان للسيد هاشم مقلدون حتى في مدينة الهفوف نفسها؛ حيث كان الشيخ عبد الله بن علي الدويل إمام مسجد “الحداديد” في شمال محلة الفوارس وكيلاً شرعياًّ، ومسؤولا عن مقلدي السيد هاشم في مدينة الهفوف نفسها، مقر إقامة المرجع الكبير الشيخ محمد[50] ، وهذا يدل على عظم منزلة السيد طيب الله نفسه الزكية.
ممن تتلمذ على يد المرجع السيد هاشم السلمان، نذكر:
1- الشيخ حسين الخليفة، زوج أخته، المتوفى عام 1322هـ، وهو جد الشيخ حسين الخليفة المتوفى عام 1426هـ.
2- الشيخ محمد بن حسين الخليفة، المتوفى سنة 1348هـ، وهو والد العلامة الشيخ حسين الخليفة المذكور.
3- السيد حسين العلي السلمان، ابن أخته، القاضي المتوفى سنة 1369هـ.
4- ولده المرجع السيد ناصر السلمان، المتوفى عام 1358هـ.
5- السيد محمد الناصر السلمان، المتوفى عام 1339هـ، والد جد العلامة السيد عدنان الناصر، المعاصر إمام مسجد العتبان.
6- الشيخ أحمد بن حبيب آل أبي دندن المبرزي الأحسائي، المتوفى 1311هـ.
7- الشيخ أحمد بن علي آل حسين المبرزي.
8- الشيخ علي بن علي آل حسين المبرزي.
9- الشيخ أحمد بن علي آل عيد الهفوفي الأحسائي، المتوفى بعد عام 1322هـ.
10- الشيخ حسين بن علي آل عيد الهفوفي.
11- الشيخ حبيب بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد آل أبي دندن المبرزي الأحسائي.
12- الشيخ حسين بن الشيخ حبيب آل أبي دندن المبرزي.
13- الشيخ حبيب بن الشيخ ياسين السلمان المبرزي، المتوفى عام 1342هـ.
14- الشيخ حسن بن أحمد بن محمد آل رمضان، المتوفى عام 1332هـ.
15- الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله المؤمن المبرزي.
16- الشيخ سلطان بن محمد بن عبد الله، المتوفى عام 1320هـ.
17- الشيخ صالح بن محمد الجبران، المتوفى عام 1325هـ.
18- الشيخ علي بن حمد الناصر المبرزي، المتوفى عام 1334هـ.
19- الشيخ عمران بن حسن السليم العلي، المتوفى عام 1360هـ.
20- الشيخ عبد الله بن علي الدويل الهفوفي.
21- الشيخ عبد الحميد بن الشيخ محمد البو خمسين، المتوفى عام 1340هـ[51] .
22- المولى الميرزا موسى الإحقاقي الحائري الأسكوئي، المتوفى عام 1364هـ[52] .
عاصر السيد - في فترة مرجعيته في الأحساء - عدد من علماء المنطقة الأفاضل أشهرهم:
1 - الشيخ محمد بن الشيخ حسين أبو خمسين، المرجع الديني الكبير في الأحساء، وكان السيد هاشم بمثابة الابن للشيخ من ناحية العمر، وأصبح الشيخ محمد المرجع الأوحد للشيعة في الأحساء بعد وفاة السيد هاشم عام 1309هـ، وحتى وفاته عام 1316هـ.
2 - العلامة الشيخ محمد بن الشيخ حسين الصحاف، أيضاً، كان من جيل الشيخ محمد بن الشيخ حسين أبو خمسين - من ناحية العمر- وهو تلميذه، وقد غادر الأحساء إلى الكويت في مطلع القرن الرابع عشر الهجري ممثلا للشيخ محمد أبي خمسين عند مقلديه في الكويت، وتوفي عام 1313هـ.
3 - الشيخ علي بن الشيخ محمد الصحاف، وهو عالم وأديب وشاعر، توفي عام 1321هـ.
4 - الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل عيثان، المرجع الديني الكبير الذي عاد إلى الأحساء عام 1309هـ، وأصبح مرجع الشيعة بلا منازع بعد وفاة الشيخ محمد أبي خمسين عام 1316هـ، وكانت وفاته في عام 1331هـ[53] .
اتفقت أغلبية المصادر القليلة التي ترجمت لحياة السيد هاشم على أنه كان أخباريًّا شيخياًّ[54] ، أو أخباريًّا ثم شيخياًّ[55] ، ونفى البعض عنه انتماءه لمدرسة الشيخية.
والمنقول أن السيد هاشم - في بداية حياته - كان أخباريا تابعا لمنهج أستاذه العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن مال الله الصفار المتوفى بعد عام 1266هـ، حيث تأثر به في هذا المجال[56] ، ولكن لو ألقينا نظرة على الأخبارية في ذلك الزمان لوجدناها أخبارية مختلطة بالمدارس الأصولية؛ بمعنى أنها لم تعد تلك الأخبارية الحادة التي سادت في القرنين الحادي عشر، والثاني عشر الهجريين، حيث كانت في أوج انتشارها وسيطرتها على معظم بلدان الشيعة في العالم، وكانت المدارس الأصولية - إذ ذاك – منزوية، ومنكمشة، إنما كانت أخبارية معتدلة وسهلة، حيث أنه - بعد وفاة الشيخ يوسف البحراني عام 1186هـ، وهو من الأخباريين المعتدلين، وتزعُّم الوحيد البهبهاني للحركة الأصولية، وتجديدها، وبعثها من جديد - أصبحت الأخبارية الخالصة في تناقص، وتراجع يوماً بعد يوم، وبمقتل الشيخ محمد بن عبد النبي النيسابوري الأخباري، وابنه الميرزا أحمد بالكاظمية عام 1232هـ[57] بطريقة مأساوية بعد فتن طائفية مريرة، ونزاعات حادة عاشها شيعة إيران والعراق بالذات، بعد هذه السنة غربت شمس الأخبارية الحادة المتشددة كما أسلفنا، وبقيت منها بقايا في إيران وكربلاء والبصرة والبحرين والقطيف والأحساء، ولكنها أخبارية معتدلة تأخذ عن المدارس الأصولية بعض الشيء، وتأخذ عنها المدارس الأصولية، وليس أدل على هذا من تدريس العلامة الشيخ أحمد الصفار في حوزة الشيخ محمد البو خمسين، وهي حوزة شيخية، ولكنها أصولية بلا شك.
إذن؛ إذا كان السيد - كما يقولون - في بداية حياته أخباريا فلم يكن ذلك الأخباري المتشدد، ولكنه كان ذا ميول أخبارية فقط - كما نرجح - وهو حال معظم أخبارية الأحساء في ذلك الوقت، ولو لا هذا لما رأيناهم يتوجهون إلى النجف الأشرف للدراسة على يد أعلام أصوليين مشهورين، وإن كان الحال قد يختلف قليلا في البصرة والبحرين عنها في الأحساء.
أصبح السيد - بعد ذلك – أصولياًّ باتفاق من ترجم له، ومؤلفاته تشهد له في هذا المضمار، ولكن هل كان أصوليا شيخياًّ؟ أم كان أصوليا تابعا لمنهج مراجع الشيعة في النجف الأشرف؟
لقد توجه السيد مباشرة إلى كربلاء بعد هجرته من الأحساء إلى العراق، وأخذ هناك، أو روى -كما أسلفنا - عن المولى الحاج الميرزا محمد باقر بن الآخوند محمد سليم الحائري الأسكوئي، وهناك شبه اتفاق على أنه أصبح شيخيا، وبقي شيخياًّ[58] .
ولكن هل بقي السيد هاشم شيخيا محسوباً، تماماً، على المدرسة الشيخية منذ تأسيس حوزته في الأحساء وحتى وفاته كما قال من ترجم له؟ أم لم يكن كذلك كما يعتقد البعض اليوم؟
لقد درس السيد هاشم حكمة الشيخ الأوحد، واعتقد بها، فهل كان السيد تابعا لمدرسة الشيخية بعد تبلورها التام، وتميزها بمعالم أساسية جعلتها شبه منفصلة عن خط الشيعة العام[59] ؟
إن الشيخية - وكما أسلفنا من قبل - لم تكن تعني مدرسة مستقلة تماما، بل كان هؤلاء يأخذون عن هؤلاء، ويدرسون في حوزاتهم، والعكس حاصل، ولم تكن تعني، آنذاك، طائفة مستقلة من الشيعة، بل كانت - وما زالت إلى الآن - تعني منهجاً معيناً في الفكر، ومدرسة متألقة من مدارس الشيعة المتعددة، وعلوم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي موضع احترام وتقدير عند كل شيعة الأحساء، فهذا السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان قد درس الحكمة الإلهية للشيخ الأوحد عند المرجع الكبير الشيخ محمد العيثان حوالي عام 1319هـ، والشيخ محمد العيثان قد درس كتب الشيخ الأوحد في الحكمة، وكتب تلميذه السيد كاظم الرشتي عند المولى الميرزا محمد باقر الأسكوئي في كربلاء، وأخذها عنه - بعد ذلك - الميرزا موسى الإحقاقي الأسكوئي[60] ، ويعتبر الشيخ محمد العيثان رمزا كبيرا من رموز المدرسة الشيخية.
ومع ذلك كان السيد هاشم ممن مكث في النجف الأشرف مدة طويلة حتى لقب بالنجفي[61] لطول مكثه هناك، وأخذه عن أساتذتها ثم رجوعه إلى الأحساء بعد ذلك وتأسيسه لحوزته.
طبعا تلاميذ السيد هاشم، ومن برز بعده وارتفع اسمه وعلا صيته لم يكونوا محسوبين على المدرسة الشيخية، بل المشهور أنهم من أكبر رموز الخط النجفي، وقلة من تلامذة السيد كانوا شيخية، ابن اخته وأحد أشهر تلامذته وهو السيد حسين العلي القاضي قد هاجر مباشرة نحو النجف الأشرف بعد وفاة أستاذه، ومكث هناك عشر سنوات، ثم عاد إلى الأحساء، وأصبح خليفة لخاله في مدينة المبرز في تصديه لأمور الناس مع انشغال السيد ناصر بطلب العلم، وقلة تواجده في البلد ، والسيد حسين ممن لم يأخذ شيئاً من العلوم عن علماء شيخية[62] بخلاف ابن خاله المقدس السيد ناصر السلمان كما أسلفنا من قبل، والسيد حسين هو أول من أرجع أهالي المبرز وقليلاً من أهل الهفوف ومعظم القرى الأحسائية في التقليد إلى مراجع النجف، وربطهم بهم فعليًّا بعد انقراض المرجعية المحلية التي كان لعلوم الشيخ الأوحد أثر كبير فيها، وكنت سأجزم بأن السيد لم يكن من الشيخية في شيء بسبب ما اشتهر عن تلامذته من بعده لو لا وقوفي على أحد مؤلفات السيد.
سنحاول أن نستشف شيئاً من منهج السيد من خلال ما بقي بين أيدينا من مخطوطات للسيد لا تزيد عن مؤلفين في نسختين خطيتين تقريبا، منها رسالة عملية لم أستطع الإطلاع عليها، ولكنها قد لا تفيدنا في هذه القضية في شيء، فهي رسالة فقهية لا يمكن أن تكشف شيء في المجال العقدي، أما المؤلَّف الخطي الآخر فهو رسالة (كشف الغطاء)[63] ، وجدت في مقدمة الرسالة العبارات التالية: (ولقد وقفت في بعض أيامي على رسالتين لبعض المعاصرين خرجتا على ما يزعم صاحباهما بعنوان: “الرد على بعض معتقدات الفرقة الموسومة بالشيخية”، فأجلت نظري فيهما مرة بعد أخرى وإذا ليس فيهما سوى محض الافتراء والطعن عليهم بما هم منه براء).
إلى أن يقول: (فأحببت أن أكشف عن ذلك في رسالة عزيزة بمقالة وجيزة، لعله أن ينال منها الغاية من سبقت له من الله العناية، وسميتها: “كشف الغطاء عن الحق بالتحقيق”، ورتبتها على مقدمة، ومقامات، وخاتمة)، و هذه الرسالة طبعا تحوي مطالب في الحكمة، ولكن شاهدنا منها هذه المقدمة فهي توضح أن هناك اثنين من المعاصرين للسيد قد ألفا رسالتين في الرد على بعض معتقدات الشيخية، وعندما قرأهما السيد اعتبر ما فيهما محض افتراء وطعن في الشيخية هم منه براء، وحفزه ذلك على تأليف هذه الرسالة في الرد عليهما.
إذن هل يمكن أن لا يكون السيد شيخيًّا ثم يقرأ هاتين الرسالتين ضد الشيخية فيأخذه كل هذا الكم من الحماس للرد عليهما؟
في الحقيقة هذا الاحتمال مستبعد عقلاً، فهناك الكثير من علماء الشيخية في منطقة الأحساء، وخارجها بإمكانهم الرد على مثل هذه الرسائل، ولا يمكن أن تصدر مثل هذه الرسالة إلا ممن يعتقد اعتقاداً جازماً بعقائد الشيخية نفسها.
فالواضح من هذه الرسالة أن السيد كان يعتقد بحكمة الشيخ الأوحد، وبالتالي يعتبر أحد رجال المدرسة الشيخية، ومع أن السيد يعتبر علما من أعلام المنطقة البارزين إلا أنه لم يُشتهر كرمز من رموز الشيخية بسبب غموض حياته، وضياع معظم مؤلفاته، بينما الأمر واضح، جداًّ، وجلي بالنسبة للعلمين المعاصرين له وهما الشيخ محمد البوخمسين والشيخ محمد العيثان حيث يعتبران رمزين واضحين من رموز المدرسة الشيخية.
وقد يقول البعض بأن السيد كان شيخيا، ولكنه عدل عنها بعد ذلك، ونحن نقول ربما، ولكن يبقى هذا مجرد احتمال ولا يوجد دليل عليه، فلا يمكننا أن نجزم به، ثم أن مسألة العدول هي مسألة غير ذات معنى في عصر السيد، فلم تكن هناك حدود واضحة، وقواسم محددة تفصل بين الناس في الأحساء إلى شيخي وغير شيخي ذلك الحين، نعم هذا الأمر كان موجودا في العراق وإيران ولكنه لم يكن طافيا على السطح في الأحساء، بل كان الناس يتبعون مرجعية محلية أحسائية، فأحيانا تكون هذه المرجعية أحد رموز المدرسة الشيخية البارزين، وفي أحيان أخرى لا تكون كذلك.
ومن المعلوم أن شيعة الأحساء، آنذاك، كانوا أمة موحدة، وطائفة واحدة، وإن تعددت مشاربهم، والمدارس العلمية التي يأخذون عنها، فليس بالضرورة أن يتم تصنيف الناس إلى شيخي وغير شيخي، بل ربما رأينا بعض أعاظم العلماء ومشاهيرهم -مثل المرجع الشيخ حبيب بن قرين، المتوفى في مدينة الهفوف بالأحساء عام 1363هـ - يختلف عليه الناس، فبعضهم يقول هو شيخي، وبعضهم يقول هو ليس بشيخي، وإنما يرجع هذا إلى ما أسلفنا من عدم وجود الفروقات الواضحة - ذلك الحين - بين الناس، وعدم ظهور التصنيفات الصارمة، والحدود القاسمة، في تقسيم الناس، وتسميتهم، فئويًّا، كما هو حاصل الآن للأسف، وإن كانت هذه الأمور قد ظهرت وحصلت، آنذاك، في إيران والعراق[64] ، ونشبت بسببها، فتن وأحداث دموية، ولكنها - بحمد الله - لم تكن موجودة في منطقة الأحساء، ولم نسمع بقضية واحدة مشابهة حصلت فيها، إلا في السنين المتأخرة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع الأحسائيين يدا واحدة، ويجعلهم إخوانا متحابين.
توفي السيد هاشم السلمان في النصف من شهر شعبان من عام 1309هـ، باتفاق من ترجم له[65] ، وووري جثمانه الثرى في مقبرة العلماء شرق محلة الشعَبَة بمدينة المبرز، وبوفاته ودعت الأحساء علما من
أعلامها، وكوكبا من كواكبها، ومرجعها العظيم، وقائدها الفذ.
في الختام أتقدم بالشكر الجزيل لكل من تعاون معي وساعدني على إخراج هذا البحث إلى النور، وعلى رأسهم أخي علي حسين المطلق، والباحث الأستاذ خالد النزر، وجميع من تواصلت معهم ولم يبخلوا علي بما لديهم من معلومات، وعلى رأسهم سماحة السيد هاشم بن محمد الشخص، وسماحة السيد هاشم بن السيد محمد السلمان، وسماحة السيد حسين بن علي الياسين السلمان، والأستاذ أحمد البدر، وسماحة الشيخ محمد الحرز.
341344 | افتتاحيات | رسالة إلى القراء | مخطوطات ووثائق | أدب وشعر | ثقافة وفكر | إصدارات | تاريخ وتراث | ملف العدد | منوعات | شخصيات | تعقيبات | الأخيرة | صفحات قديمة | أخبار الواحة | هيئة التحرير |