للمنجز التشكيلي لغادة الحسن دلالات كلية تقف خلفه؛ لما يعيشه المجتمع المحيط بالفنانة، وتوجهه الفكري بأسلوب تشكيلي يرتبط بالصورة الذهنية من موروث زمني وإنساني؛ حيث التسمية (هنا منذ الأزل) لفكرة المعرض العامة التي غلبت على مجمل التوجه.
ففي اختزال بعض الممارسات المهنية الاجتماعية التي تحظى بالاستمرارية في ما نشاهده من تناول تلك الأطروحة لإبراز أكبر عدد من الزوايا لتلك المهنة، وهي الغوص، مع أننا لم نرَ في أيٍّ من اللوحات تلك الممارسة الغوصية، ولم نرَ البحر ولا الأدوات المتعارف عليها مما ترك - عند غير المتتبعين للفن إلا بطقوس المهن - سؤالا محيرا لا نرى له أي أبعاد، إلا أن يتوسعوا في المدرك الشكلي البصري للعمل الفني مع تقديرنا واحترامنا لحضورهم وإشكالاتهم.
من هنا نتقدم بدعوة للتأمل في إطار من رؤيا ثقافية تسعى لتشكيل مخزون بصري لنسق معاصر حديث في استيعاب الأعمال التشكيلية والثقافية عموما.
ولهم ولغيرهم سوف أقوم بتحليل محتوى التجربة المتمثلة أمامنا، وتجزئتها لمجموعات كي نتعرف على كل كتلة منها على حدة وبشكل مبسط لكشف الرؤية التي تحوم حولها الأعمال لمن له إشكالية في الناحية الأدبية، واهتمام بالتسميات قبل النظر والتمعن في دلالات الصورة المرئية، وأبعاد المشهد التشكيلي.
لذا أقدمت على تقسيم الأعمال المطروحة إلى تسع مجموعات متقاربة للتبسيط ما أمكن؛ لفهم المحتوى في نظري:
وهي على قسمين
أ - وضعت في بداية المعرض.
ب- وضعت في نهاية المعرض.
فأما الأولى فحملت صورًا لشخوص الغواص (بورتريه) باستخدام اللصق في أوضاع مختلفة، وأحجامها الكبيرة سمحت للمساحة أن تمتد على عناصر اللوحة؛ مما استدعى محاولة ملء أو شغل الفراغات بمساحة من الأشكال المستطيلة كخلفية للوحة، ووزنها بالخطوط العفوية في أماكن، و بحروف في أخرى، أما القسم الآخر فاستخدام الملمس فيه عالج المساحة أكثر نضجا.
على قسمين:
أ - ذات الإطار البارز الذي يغطي جزءًا من اللوحة إذا ما حاولت إيجاد علاقة بين أكثر من عمل، في حين أن الخامة وتغليفها أخذت بطريقة سريعة.
ب- حيث المعالجة بأسلوب لعبة الشطرنج من خلال توزيع المربعات على مساحة العمل، باستخدام اللون الفاتح والغامق؛ لتأكيد التباين، وترك المشاهد يكمل الشكل.
صيغت بقطع مربعات قاتمة اللون معالجة بالملمس، ثم وزعت بطريقة عشوائية لم تخل من العنصر الرئيسي في التجربة إلا من رمزية الطير كما سيمر في مجسم الفزاعة.
المعروضة في صدر الصالة وهي على قسمين:
أ- مكعبات ومتوازيات خلت من الشخوص المعهودة التي تناولتها، وقدمت لها؛ لتعطي طابع التغيير، حيث جعل من المعرض سيمفونية راحة وهدوء للمشاهد، مما يؤكد تأثر الفنانة والاستفادة من التقنية التي درستها في الدورة بالإمارات، وأجادت استخدامها حيث العلاقة بين الملمس والكولاج الذي استخدم قصاصات الجرائد، وأعطت كتاباتها نوعًا من العفوية غلب عليها اللون الأصفر.
ب- وهي اللوحات التي تليها ذات مربعات والاختلاف هو في طريقة إخراج العمل الخارجي بتأطيره.
قدمت هذه المجموعة - في طرحها - بنوع من الديكور في تنوع شكلي بإطارات ذات أشكال هندسية وهي لوحات دائرية ومستطيلة ومثلثات متساوية الأضلاع تكملة للنسق السابق، إلا من اللون الداكن.
لم تختلف التجربة إلا من اللعب بإسالة اللون على الوجوه؛ لإعطاء دلالات عفوية لم تخل من الرمزية أحيطت بإطارات زجاجية متساوية المقاسات.
بها مدلولات ميتافيزيقية في أعمال مستطيلة، حيث رسمت الوجوه، ثم أعيد صياغتها للإيحاء بتشكيل خاص لبطل التجربة وما يدور حوله.
على قسمين:
أ - تضمنت وجوهًا بارزة عن محيطها تناولتها باستخدام بعض المعاجين.
ب- معالجة أسلوبية دمجت بين الملمس والوجوه، مع ترك مساحة أتاحت للعمل بالتنفس في صياغة وتوازن فني.
هذا العمل وإن كان خارج سياق العرض إلا أنه غيَّر من رتابة المعروض بتواجده في لفت الأنظار لعمل حديث نسبيا على بعض المشاهدين، ولم يُخِفِ الطيورَ فقط، بل أشاع جوًّا من الألفة؛ إذ تحيط به الطيور أعلى وأسفل، وبالمناسبة فأبسط تعاريف المدرسة المفاهيمية هي تحويل الفكرة إلى عمل ملموس.
من خلال الرحلة المشار إليها في أروقة المعرض نلاحظ أن كثيرًا من الأعمال محكومة بعناصر مشتركة معتمدة على الملمس والكولاج، مكونة تشكيلات متناغمة معتمدة على قطع الجرائد وقصاصاتها مرتكزة على إعادة التصورات السردية عن فكرة الطريق إلى الغواص.
فن اللصق هو فن بصري يعتمد على قص ولصق العديد من المواد معا، وبالتالي تكوين شكلٍ جديد، ولصق القصاصات نشأ في الصين عندما تم اختراع الورق في القرن 200 ق.م تقريبا، وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في المدرسة الدادية والتجريدية والسريالية[1] حيث قص الصورة إلى مربعات، ثم تجمع بطريقة أوتوماتيكية أو عشوائية، وإن تغيرت أشكال وتقنيات المرحلة، وتطورت وأخذت أبعادًا أخرى كثيرة لسنا في صدد سردها.
للرمزية التي أوحت بها لروح الغواص: وهو من تراث الخليج الذي امتد لمئات السنين وأكثر، تحاول بها الدلالة لإبراز الجهد الذي عاناه الغواص في مسيرته الخليجية من خلال إبراز تفاصيل الوجه وتعابيره، كما أنها ألغت الفم للرمزية؛
فالغواص تحت الماء لا يحتاج إلى فتح الفم أو الحديث، إنما الحقيقة توحي بأن الحديث لا يدور دائما من خلال الفم واللسان فقط.
فهل الغواص هي الفنانة التي تبحث عن أدوات وتقنيات لأعمالها من خلال الغوص في بحور الفن لتنشئ تشكيلها الخاص، أم نحن الغواصون الذين نقوم بسبر غور هذه اللوحات، وندخل في أعماقها والبحث عن لآلئ ومكنونات تجربتها.
381628 | افتتاحيات | رسالة إلى القراء | مخطوطات ووثائق | أدب وشعر | ثقافة وفكر | إصدارات | تاريخ وتراث | ملف العدد | منوعات | شخصيات | تعقيبات | الأخيرة | صفحات قديمة | أخبار الواحة | هيئة التحرير |