في التمهيد الذي كتبته في أول حلقة من هذه السلسلة قلت ما نصه: (وسوف لن أتعرض لفئة (( علماء الدين )) أو (( الشعراء )) لأن هؤلاء قد تعرض لهم آخرون وكتبوا عنهم)[1] ، غير أن كثيرين من الأصدقاء ناقشوني في هذه الفكرة، وقالوا إن الذين تعرضوا لعلماء الدين وترجموا لهم اهتموا بجانب العلم الديني فقط، ولم يهتموا بنشاط البعض منهم في الجانب الاجتماعي والسياسي، فلو أنك أخذت هذا الجانب، وقمت بإيضاح وتبيين ما قاموا به من نشاط اجتماعي وسياسي لكنت قد أوضحت جوانبَ خفيةً على الناس لاسيما من أبناء الجيل الجديد ممن لم يعاصر هؤلاء العلماء، ولقد رأيت في هذه الفكرة جانبا من الصحة من حيث المبدأ، لكني لم أجد بين علماء الدين ممن عاصرتهم من أسهم إسهاما قويا ومباشرا في قضايا المجتمع ومشاكله - غير القضايا المتعلقة بالفتاوى في مسائل التكليف والواجبات العبادية، وعقود الزواج والطلاق وقضايا الإرث، وما شابه ذلك - إما الهموم الأخرى كالقضايا الاقتصادية والعلاقة بين المواطنين والسلطات الحاكمة فهم مبتعدون عنها، تمسكا بمفاهيم وأفكار كانت سائدة بينهم ترى أن الورع الديني هو في الابتعاد عن الحكام، ولست هنا بصدد مناقشة هذه الفكرة، والحكم عليها خطأً أو صوابا، إنما أردت أن أوضح أنني - وحسب معلوماتي الخاصة - لم أجد بين علماء الدين ممن عاصرتهم من تنطبق عليه هذه المقولة - مقولة القيام بنشاط اجتماعي وسياسي - سوى فضيلة المرحوم العلامة (( الشيخ علي بن حسنعلي الخنيزي )) لهذا فإنني سأحاول في هذه الحلقة أن أسجل ما تيسر لي من معلومات عن الأدوار التي قام بها هذا الشيخ الجليل منذ عودته إلى القطيف من النجف الأشرف حاملا درجة الإجتهاد، وذلك في عام 1323هـ حتى وفاته في عام 1362هـ[2] .
هو الشيخ علي بن حسنعلي بن حسن بن مهدي بن كاظم بن علي الخنيزي، وآل الخنيزي من الأسر العريقة في القطيف، وقد أنجبت رجالا وعلماء أفاضل[3] ، وقد ولد الشيخ علي عام 1285 هـ - 1868 م في مدينة القلعة - حاضرة القطيف - وهو واحد من عشرة أبناء، ليس فيهم إلا امرأة واحدة والباقي كلهم ذكور، وأمه ميمونة بنت الشيخ محمد علي بن مسعود بن سليمان الجشي، وقد توفيت عنه أمه وعمره ثلاثة أشهر، وقد تربى في كنف والده الذي كان له أكثر من زوجة، وقد وضعه أبوه في أحد الكتاتيب - وسيلة التعلم الوحيدة في البلاد في ذلك العصر - وبعد أن أتقن مبادئ القراءة والكتابة وبلغ مبلغ الرجال مارس التجارة، شأنه شأن أخوته من أبيه، (ليس لديه أخ شقيق ولا أخت بل هو وحيد أمه) لكنه عزف عن التجارة واشتاق إلى دراسة العلوم الدينية فرحل إلى النجف الأشرف عام 1308 هـ - 1891 م واستمر في النجف مكبا على دراسة العلوم الدينية بجد واجتهاد حتى عام 1316 هـ - 1898 م حيث عاد لوطنه بصورة مؤقتة لزيارة الأهل فقط، ثم قفل عائدا للنجف لإتمام المشوار، واستمر في النجف حتى عام 1323 هـ - 1905 م حيث عاد لوطنه يحمل الشهادات من عدد من كبار علماء النجف باجتهاده، وأهليته للفتوى كعالم مجتهد.
صورة حفيظة نفوسه (التابعية)
حينما عاد شيخنا للقطيف لم يكن ثمة بالقطيف شخص مجتهد يتولى القضاء ويحسم الخلافات، نعم كان هناك شخص فاضل هو الشيخ عبد الله بن الشيخ ناصر آل نصر الله (أبو السعود) وكان الشيخ عبد الله شخصا تقيا ورعا، فكان يتجنب الحكم في الفصل بين المتخالفين، ويفضل دائما أن يجري بينهما المصالحة والتراضي، وما إن وصل الشيخ علي الخنيزي القطيف عائدا من النجف كعالم مجتهد واستقر به المقام حتى قام الشيخ عبد الله بمبادرة طواعية من نفسه ودون أي طلب من أي شخص بالتخلي عن التصدي للفصل في الدعاوى والخلافات، والطلب من كل من يأتيه في هذا الشأن بالذهاب للشيخ علي الخنيزي فهو الشخص المؤهل لذلك، وهكذا بدأ الشيخ حياته كعالم للبلاد وقاضيها الوحيد منذ أن وطأت قدمه ارض القطيف بعد عودته من النجف، وقد أهله لمنصبه خلو الساحة من وجود عالم مجتهد، إذ كان الشيخ علي هو أول العائدين من العلماء المجتهدين ممن ضمتهم القطيف في عصره[4] ، بالإضافة إلى ما كان يتمتع به الشيخ من صفات وأخلاق يجب أن تتوفر في كل زعيم وقائد، فلقد كان ذا نظر بعيد، ورأي ثاقب، طويل الأناة، حليما صبورا، ذا أعصاب باردة - حسب التعبير الحديث - بطيء الغضب، كما كان صبورا على احتمال المشاق والمتاعب، وشظف العيش قويا جلدا، لا يمل ولا يكل من العمل، وقد استمر الشيخ في منصبه قاضيا للقطيف طيلة أيام الحكم التركي حتى دخول الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - القطيف عام 1331 هـ - 1913 م وقد وقع خلال هذه الفترة حدث ذو أهمية كبرى هو (( وقعة الشربة )) أو (( الحصارة )) [5] ، وقد كان للشيخ (أبو عبد الكريم) دور بارز في الدفاع، فقد تقدم المقاتلين بصحبة والده وأخوته، وقد قُتِل أخوه جعفر، وجُرِح أخوه أحمد.
عند ما فتح الملك عبد العزيز الأحساء وسمع أهل القطيف تيقنوا أنه لابد آت للقطيف، لأن القطيف والأحساء تكونان منطقة واحدة على مر تاريخهما الموغل في القِدَم، وهناك روايتان - وكلتاهما شفويتان نقلتا عن الجيل السابق المعاصر لدخول الملك عبد العزيز القطيف، إحداهما تقول: إن الوالي التركي - القائم مقام -عند ما سمع بدخول الملك عبد العزيز الأحساء جمع الشخصيات من جميع مدن وقرى القطيف بالإضافة إلى القلعة - حاضرة القطيف - جمعهم في (( السراج )) - مركز القائم مقام الرسمي أيام الحكم التركي - وأقام على رأس كل واحد منهم جنديا شاهرا بندقيته ينتظر الأمر من القائم مقام لإفراغها في رأسه، وطلب منهم مقاومة عبد العزيز إذا ما جاء لاحتلال القطيف، لكن الشيخ علي (أبو عبد الكريم) تصدى له وخاطبه قائلا: إنك تعرف عدم قدرة الأهالي على ذلك لما مر بهم من حروب مع البدو أنهكتهم بشريا واقتصاديا، وأن الدولة نفسها - يعني الدولة التركية - عاجزة عن الدفاع عن نفسها وعن حماية رعاياها، وذكره بعجزها عن حماية البلاد أيام وقعة الشربة، وكيف أن القلعة ظلت محاصرة شهورا والدولة عاجزة عن فك الحصار، والضحايا التي تكبدها الأهالي في هذه القضية، فلم يحر القائم مقام جوابا، وطلب منه الشيخ أن يسلم وينسحب بما لديه من قوة (قيل إنها لا تتعدى (90) جنديا، وقيل إنها (400) جندي ويعود للبلاد بعد أن يستطيع تجهيز قوة ملائمة، وتولى الشيخ صياغة مذكرة تطلب من القائم مقام الانسحاب وتعفي القائم مقام من مسئولية الانسحاب، وكان من ضمن الحاضرين بالإضافة إلى الشيخ (أبو عبد الكريم) الشيخ علي البلادي، عبد الحسين بن جمعة، علي بن أخوان، علي بن فارس، حسن سنبل،حسين بن نصر، سيد حسين السادة (صفوى)، يقال إن الشيخ صاغ المذكرة صياغة حذرة محتاطة للاحتمالين، احتمال سيطرة عبد العزيز النهائية، واحتمال عودة الأتراك، بحيث لا يدان أهالي القطيف من قِبَل المنتصر، هذه رواية إما الرواية الأخرى فتقول: إن حسين بن نصر - زعيم سيهات - بعد أن علم بدخول الملك عبد العزيز الأحساء استدعى بعض الشخصيات ليتذاكر معهم كيفية العمل الذي يسهل على عبد العزيز السيطرة على القطيف وإبعاد الأتراك دون إراقة الدماء، وفيما هم جالسون يتذاكرون إذ جاء أحد رجال حسين بن نصر وأسر إليه بأن (( عبد الرحمن بن سويلم )) - أحد رجال الملك عبد العزيز - ومعه سبعة رجال مخيمون في مريجب - غربي سيهات - وهنا انفض الإجتماع، وتوجهوا جميعا للقطيف للإجتماع بشخصيات القطيف وإخبارهم بوصول بن سويلم والتشاور معهم على كيفية العمل تجاه المستجدات، ولما اجتمعوا في القطيف قرروا الذهاب إلى القائم مقام، وحينما ذهبوا إليه لم يجدوه قد عرف بوصول بن سويلم إلى مريجب، فأخبروه عن وصوله وقالوا له إن بن سويلم ورفقاءه ليسوا سوى طليعة استكشافية وجس للنبض، هل أن القطيف ستسلم أمرها لابن سعود أم أنها سترفض وتقاوم ؟ وأخبروه بأنهم عرفوا من بن سويلم أنهم إذا رفضوا استقبال ابن سعود فإنه سوف يغزوهم بقوة لا قِبَل لهم بها، وأنهم سيتسببون في سفك الدماء، وطلبوا من القائم مقام الانسحاب بما معه من جند، لأن ليس لديهم لا هم ولا الدولة القدرة على مقاومة بن سعود، وقالوا له سنعطيك مذكرة تخليك من المسئولية أمام الدولة التركية، وقبل القائم مقام الفكرة وقام الشيخ (أبو عبد الكريم) بصياغة المذكرة ووقعت من قبل الحاضرين، وركب القائم مقام السفن الشراعية هو وجنوده الذين لا يتجاوز عددهم (400) جندي على أكثر الروايات تقديرا وتوجهوا للبحرين[6] ، وبعد مغادرة القائم مقام القطيف جاء الملك عبد العزيز إلى القطيف ونزل في مقر الوالي التركي السابق (السراي) حيث انتقل إليه بن سويلم، واجتمع عبد العزيز بشخصيات القطيف وعلمائها وأعيانها وبعد المبايعة أخبرهم عبد العزيز أنه عين (( عبد الرحمن بن محمد سويلم )) أميرا على القطيف، والشيخ علي بن حسنعلي الخنيزي (أبو عبد الكريم) قاضيا، وقيل إن أهل القطيف هم الذين طلبوا منه أن يعين الشيخ قاضيا فاستجاب لهم، ومن هنا بدأ دوره القيادي كزعيم للبلاد وقاض وحيد لها، وقد ظل في القضاء قاضيا عاما لكل القطيف وما يتبعها من مدن وقرى لكل أبناء الطوائف والمذاهب الإسلامية منذ عام 1331 وحتى 1344 هـ حينما أسست الدولة أول محكمة رسمية وعينت لها قاضيا هو السيد إبراهيم - أهل دارين - عام 1344 هـ وحينئذ أصبح المتخاصمان حرين يختاران أي محكمة يرغبان التقاضي لديها، وكان كثير من المتخاصمين يفضلون الذهاب للشيخ الخنيزي لما عُرِف عنه من عدل في الحكم ورحابة صدر خلال التقاضي، وغض الطرف عن هفوات المتخاصمين أو نرفزاتهم أو زلات ألسنتهم، مما يحدث عادة بين المتخاصمين، وكان القضاء في عهد الشيخ بسيطا فلا سجلات ولا دفاتر ضبط ولا معاملات ولا غير ذلك من الإجراءات المعروفة حاليا، وكان الأمير يرسل المتخاصمين مع أحد رجاله - الأخوياء - للشيخ وبعد سماع أقوال الطرفين يبعث الشيخ برسالة شفوية مع مبعوث الأمير بأن الحق لفلان، أو بمذكرة صغيرة يشرح فيه الحكم دون تسجيل لها، وعلى الأمير تنفيذ ما فيها وإلزام المحكوم عليه بقبول وتنفيذ الحكم، فلا تمييز ولا استئناف ولا يحزنون. نعم كان الشيخ يُصدِر صكوكا لإثبات الأملاك أو الأوقاف أو غيرها مما تحتاج إلى توثيق، وتُسجَّل لدى كاتب العدل، إما الدعاوى العادية بين المتخاصمين فلا يصدر فيها صك، كما هو الآن.
لقد واجهت القطيف في العقدين الأولين من حكم الملك عبد العزيز أزمتين حادتين أدت إلى توتر دائم في العلاقة بين الأهالي والدولة، هما:
أ - الوضع الاقتصادي.
ب - الوضع المذهبي الطائفي.
ففي النقطة الأولى، كان من سوء الصدف أنه في السنة التي دخل الملك عبد العزيز فيها القطيف قامت الحرب العالمية الأولى، كما أن اليابان بدأت تغمر أسواق اللؤلؤ العالمية باللؤلؤ الذي تنتجه من أحواضها الصناعية - اللؤلؤ المزروع - وقد أدى ذلك إلى انخفاض قيمة اللؤلؤ الطبيعي الذي يستخرجه الغواصون في كل مدن الخليج من قاع الخليج، وكانت القطيف - وهي تقع على ساحل الخليج - من ضمن المدن التي كانت تمارس هذه المهنة الشاقة والمربحة في نفس الوقت، لقد كان الخليج بكل أقطاره في أواخر القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين الميلادي يعيش حالة اقتصادية مزدهرة بسبب رواج تجارة اللؤلؤ، لكن حركة اليابان، وقيام الحرب العالمية الأولى أديا إلى نضوب هذه الثروة حتى أصبح الخليج - قبل اكتشاف البترول - يعيش حالة من الفقر والبؤس.
ولما كان الملك عبد العزيز - حينما دخل الأحساء والقطيف - لا يزال في عملية توحيد الجزيرة وضم ما تبقى منها إلى مملكته، فقد كان بحاجة إلى المال لتموين حروبه وغزواته، ومن هنا فقد فرض على الأحساء والقطيف - بالإضافة إلى الضرائب المعروفة وهي الزكاة والرسوم الجمركية - ضريبة سميت، (( ضريبة الجهاد )).
ولقد تعرضت بشيء من التفصيل إلى هذا الموضوع في إحدى الحلقات السابقة عند الترجمة لعبد الله نصر الله[7] ، لكن لم أُشِر إلى مقدار ضريبة الجهاد، لأني لم أطلع على شيء مسجل يحدد مقدار الضريبة، ولم أسمع من أحد تحديدا لها، لكني مؤخرا عثرت في الأوراق التي قدمها لي الأخ الصديق (( عبد المحسن الخنيزي )) نجل الشيخ علي (أبو عبد الكريم) وفيها بعض نقاط معلومات عن والده أعطانيها لتكون إحدى المصادر التي أعود إليها، فقد وجدت في هذه الأوراق أنه سمع من أحد الشخصيات من العوامية، وكانت العوامية في لب الأحداث، هذه الشخصية، هو (( السيد حسين بن السيد سلمان العوامي )) - أطال الله بقاه - وقد عاصر الأحداث، يقول: إن ضريبة الجهاد - حينما ضوعفت - كانت على النحو الآتي: (جهاد أعلى (12) روبية، جهاد أوسط (8) روبيات، جهاد أدنى (4) روبيات) هذا في حين أن أجرة العامل في ذلك الوقت كانت آنتين بومبي[8] .
ويجدر بنا - ونحن بصدد الترجمة للشيخ علي (أبو عبد الكريم) - أن نتعرض للدور الذي لعبه والجهود التي بذلها في هذا الموضوع.
في العقد الأول من حكم الملك عبد العزيز تقبل أهالي القطيف تحمل الضرائب الباهظة التي كانت مفروضة عليهم، لأنهم أولا كانت لا تزال لديهم مذخرات من فترة الرخاء الاقتصادي التي كانوا يعيشونها، فكانوا يسددون تلك الضرائب من هذه المذخرات، وثانيا لأنهم كانوا يدركون أن هذه الضرائب فرضتها على الملك عبد العزيز الظروف التي يواجهها، وحاجته الشديدة للمال، وكانوا يأملون بأن تتحسن الأحوال عند ما تنتهي هذه الظروف الطارئة بسبب الحروب التي كان يخوضها الملك عبد العزيز، وتستقر الأمور، لكن المدى طال، والمذخرات نفذت والموارد المتاحة أمامهم تدنت كثيرا، - مما جعل كثيرا من الأملاك - النخيل - وهي المورد الرئيسي في البلاد - لا تفي إيراداتها بما عليها من ضرائب، فضلا عن أن تؤمن لمالكها موردا لسد حاجاته المعيشية له ولأسرته، فبدأ التذمر من ثقل الضرائب يعلو والضجيج منها يتكاثر، وبدأت العرائض والبرقيات تنهال على الملك عبد العزيز تضج بالشكوى وتطالب بخفض الضرائب، ولما كان الشيخ علي الخنيزي (أبو عبد الكريم) موضع ثقة واحترام الملك عبد العزيز، فإن الشيخ قام هو الآخر بدور كبير في شرح الأمر للملك، ووضع الصورة المأساوية التي بلغها أهالي القطيف أمامه، ليس الطبقات الفقيرة من عمال وفلاحين فقط ولكن البؤس نزل حتى بالطبقة التي كانت تنعم بالرفاه والغنى - طبقة كبار الملاكين - ومن المؤسف أننا لم نجد فيما خلف الشيخ من أوراق صورا ولا حتى مسودات لتلك الرسائل التي بعثها الشيخ للملك عبد العزيز، وما أدري هل أن الشيخ لم يكن يحتفظ بصور لما كان يرسله للملك - وهو ما أستبعده - أم أنها ضاعت - بعد وفاته - فيما ضاع من أوراق حينما لم تجد من يعتني بها ويحرص على حفظها، ولقد عثرت - أنا شخصيا - وكنت حاضرا في تركته - ويومها كنت شابا لم أبلغ العشرين من عمري - عثرت على ورقة بخط الشيخ كانت ملقاة على الأرض فأخذتها واحتفظت بها، وظلت لدي مهملة في بعض الأوراق، وقد نسيتها حتى عثرت عليها بالصدفة قبل بضع سنوات وهي بالية تكاد تتمزق فقمت بتصويرها وها نحن ننشر صورتها إلى جانب نصها مع هذا المقال.
ولقد بلغت ذروة المأساة في النصف الثاني من العقد الرابع الهجري حينما قامت الدولة - بعد فتح الملك عبد العزيز الحجاز - بمضاعفة ضريبة الجهاد أو ما سمي - يومها - بـ(( الجهاد المثني )) أي المضاعف، مما أدى إلى سخط عام في بعض مدن وقرى القطيف دفع بالناس إلى حمل السلاح وكاد أن يؤدي إلى مواجهة مسلحة مع الحكومة، ولقد لعب الشيخ دورا بارزا في هذه القضية، لكنا لن نكررها هنا، إذ سبق أن ذكرناها بالتفصيل - كما أشرنا من ذي قبل.
من المعروف أن كل سكان نجد - بما فيهم الأسرة الحاكمة آل سعود - يتبعون الدعوة السلفية (( الشيخ محمد بن عبد الوهاب )) - يرحمه الله - كما أنه من المعروف أيضا أن كل سكان القطيف هم من الشيعة الإمامية الاثني عشرية - إلا قليلا من سكان بعض المدن كدارين - بجزيرة تاروت - وأم الساهك وما يتبعها من قرى صغيرة - قرب صفوى - وكذلك قبيلة بني خالد ومن معها من قبائل البدو - سابقا - والذين يقطنون - الآن - مدينة عنك، هؤلاء من إخواننا السنة، كما أنه من المعروف أن الدعوة السلفية تنظر إلى ما يقوم به الشيعة من احتفالات بذكرى أئمتهم الذين يعتقدون بإمامتهم من آل بيت الرسول تعتبرها تجديفا في الدين، وترقى عند البعض منهم إلى درجة الكفر، ثم أنهم لا يؤمنون بحرية المعتقد، بل إنهم يرون وجوب منع ممارسة تلك الشعائر والإحتفالات، ولقد لاقى أهل القطيف في أدوار الدولة السعودية الأولى والثانية في الفترات التي سيطروا فيها على القطيف لاقوا الأمرين من الضغط والتنكيل عند ما يضبطون أحدا منهم متلبسا بجرم إقامة هذه الاحتفالات، وكانوا يضطرون لإقامتها في الأقبية والسراديب بعيدا عن أعين السلطة، فلما جاء الملك عبد العزيز إلى القطيف واجتمع به علماء وشخصيات وأعيان القطيف للمبايعة اشترطوا أن يكونوا أحرارا في عقيدتهم المذهبية، وأن لا يمنعوا من ممارسات الشعائر التي اعتادوا إقامتها، ولما كان عبد العزيز شخصا ذا أفق واسع وفكر ثاقب فلقد استجاب لطلبهم وأعطاهم وعدا بذلك، هذا ما سمعناه ممن عاصر تلك الفترة، إلا أنهم لم يبينوا - حسب سماعي شخصيا - ما إذا كان الوعد شفويا فقط أم كتابيا ؟ لكنهم يجمعون على أنهم خاطبوه في ذلك ووعدهم، ولكن هل ساعدت الظروف الملك عبد العزيز أن يفي بوعده لأهل القطيف فيتركهم أحرارا في مذهبهم ؟ لقد كانت الظروف المحيطة به في أول حكمه أقوى منه، وكانت تضطره للإستجابة والخضوع لمطالب المتشددين ممن كانوا يحاربون معه وهم الفئة المعروفة ب (( الأخوان )) لقد فرضوا على الملك عبد العزيز أن يرسل إلى القطيف بعض (( المطاوعة )) - رجال الدين - لكي يصلوا بهم في المساجد، وأرسلوا لكل مدينة وقرية واحدا منهم، وأُجبر الناس على الصلاة وراءهم، على الرغم من أن أهل القطيف كانوا يصلون جماعة وراء علمائهم، كما جرى غلق الحسينيات التي كان أهل القطيف يقيمون فيها المآتم والاحتفالات الخاصة بذكرى أهل البيت
، ثم بلغت الأزمة ذروتها حينما طلب مؤتمر العلماء في الرياض عام 1345 هـ الذي انعقد إثر اعتراضات ومؤآخذات الأخوان على الملك عبد العزيز طلب أن يرسل الملك عبد العزيز (( بن بشر )) - وهو غير بن بشر المؤلف المعروف - ليُسلِم بأهل القطيف.
يقول حافظ وهبة في كتابه (( جزيرة العرب في القرن العشرين ))في فصل بعنوان (( الأخوان )) حينما تعرض للبيان الذي أذاعوه إثر المؤتمر الذي عقدوه في الأرطاوية، والذي حددوا فيه النقاط التي يأخذونها على الملك عبد العزيز والمطالب التي يريدون من الملك عبد العزيز تنفيذها، فقد ذكر حافظ وهبة المواد تفصيلا، وفيه:
سابعا: (النظر في شيعة الأحساء والقطيف، وإجبارهم على الدخول في دين أهل السنة والجماعة)[9] .
ويقول حافظ وهبة في صفحة أخرى حين تعرض للبيان الذي أذاعه العلماء بعد ارفضاض مؤتمر الرياض، الذي عقدوه بطلب من الملك عبد العزيز للنظر في مطالب الأخوان، وإعطائه رأيهم في تلك المطالب، فقد وجاء فيه (( إلى من يراه من أخواننا المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد ورد علينا من الإمام - سلمه الله تعالى - سؤال من بعض الأخوان عن مسائل يطلب منا الجواب عليها، فأجبناه بما نصه (( ثم ذكروا نقاطا عدة تتعلق بالبرق (اللاسلكي)، والمحمل وغيره، ثم قالوا: )) وأما الرافضة فأفتينا الإمام أن يُلزِمهم البيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل، وعلى الإمام أيضا أن يُلزِم نائبه على الأحساء أن يحضرهم عند الشيخ بن بشر، ويبايعوه على دين الله ورسوله، وترك دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم، وعلى ترك سائر البدع من اجتماعهم على مآتمهم وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويمنعون من زيارة المشاهد، كذلك يلزمون بالاجتماع على الصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد. ويرتب فيهم أئمة ومؤذنون ونواب من أهل السنة. ويلزمون بتعليم ثلاثة الأصول، وكذلك إن كان لهم محال مبنية لإقامة البدع تهدم، ويمنعون من إقامة البدع في المساجد وغيرها، ومن أبى قبول ما ذكر ينفى من بلاد المسلمين، وأما الرافضة من أهل القطيف فيلزم الإمام - أيده الله - الشيخ بن بشر أن يسافر إليهم ويلزمهم بما ذكرنا )) [10] .
لقد جاء بن بشر للقطيف فعلا، لكن حافظ وهبة لم يذكر تفاصيل ما جرى له بالقطيف.
عندما وصل الشيخ بن بشر للقطيف قام أمير القطيف يومئذ (( محمد بن عبد الرحمن بن سويلم )) باستدعاء كل العلماء والشخصيات والأعيان من جميع مدن وقرى القطيف، كما استدعى الشخصيات البارزة من السنة كالشيخ ناصر بن لحدان - يرحمه الله - من دارين وشخصيات أخرى معه، وكذلك من أم الساهك، وشخصيات من قبيلة بني خالد وغيرها من قبائل البدو، وحضر الجميع الدرويشية في يوم حاشد مشهود، وتقدم أهل القطيف (( الشيخ علي بن حسنعلي الخنيزي )) (ابوعبد الكريم) وجلس بجانب الشيخ بن بشر، وبدأ الشيخ بن بشر يطلب من الشيخ وجماعته أن يبايعوه على الإسلام الصحيح، وتكلم الشيخ علي وحاور الشيخ بن بشر وناقشه، وبعد حوار لم يطل كثيرا وجد الشيخ بن بشر نفسه في مأزق لا يحسد عليه، وسكت ولم يحر جوابا، وهنا وجد أمير القطيف نفسه أيضا في موقف حرج، ولما طال صمت بن بشر وسكوته قام أمير القطيف بفض الإجتماع وطلب من الجميع المغادرة، ورفع بذلك تقريرا للملك عبد العزيز، وخرج أهل القطيف فرحين مسرورين بانتصارهم، بل إن بعض الشخصيات من أهل السنة من أهل دارين وزعماء بني خالد صافحوا أهل القطيف وهنأوهم بهذا النصر العظيم، هذه خلاصة الرواية التي سمعناها من آبائنا ممن عاصروا الحدث وبعضهم حضر الاجتماع[11] .
بعد أن ارفض اجتماع الدرويشية وغادر بن بشر القطيف قام الشيخ (أبو عبد الكريم بكتابة خطاب لجلالة الملك عبد العزيز يطلب فيه منه سحب المطاوعة الذين أرسلوا لأهل القطيف ليصلوا بالناس، كما طلب منه رفع الحظر عن الحسينيات والسماح بفتحها، وقد أرسل هذا الخطاب بصحبة وفد مكون من ثلاثة أشخاص هم (( فضيلة الشيخ منصور آل سيف )) من تاروت، و(( محمد بن حسين الفرج )) عمدة وزعيم العوامية، واخوه (( أحمد بن حسنعلي الخنيزي )) وقد استجاب الملك عبد العزيز لهذه المطالب، فسحبت مجموعة المطاوعة من القطيف وفتحت الحسينيات أبوابها، وألغيت كل القيود التي فرضت على الشيعة في القطيف فأصبحوا أحرارا في صلواتهم، يصلون خلف علمائهم، وأئمة مساجدهم، وصاروا يمارسون إقامة المآتم علنا، بل ويمارسون العزاء في شهر محرم في الشوارع، بل صدرت أوامر للبلدية[12] بإعفاء المساجد والحسينيات من رسوم البناء سواء في الإنشاء الجديد أو الترميم والإصلاح[13] .
ومن المعروف أن الأخوان طال بهم التمادي ومحاولة فرض سلطتهم وأرائهم على الملك عبد العزيز، وأن الملك عبد العزيز أبدى معهم طول بال وسعة صدر وناقشهم وحاورهم بالتي هي أحسن، موضحا لهم ومبينا أن كثيرا من مطالبهم وأفكارهم ونظرياتهم وأرائهم لا تنسجم والشرع الشريف، وأن الكثير مما يؤاخذونه عليه ليس فيه أي منافاة أو مخالفة لأوامر الله وسنة نبيه محمد ، كل ذلك تفاديا من جلالته لسفك الدماء، لكن الأخوان لم يزدهم ذلك إلا تماديا وإصرارا على مواقفهم الخاطئة، ومع ذلك فإن عبد العزيز لم يبدأهم بالقتال، وإنما هم الذين بدأوا، فهددوا الأمن وعاثوا نهبا وسلبا مما اضطر الملك عبد العزيز لأن يركب المركب الصعب، حفاظا على مملكته التي أسسها ووحدها بنضاله وكفاحه وجهاده:
ومن لم يجد إلا الأسنة مركبا
فليس لدى المضطر إلا ركوبها[14]
وهكذا دارت معركة حاسمة وشرسة بين الملك عبد العزيز وبين الأخوان كان النصر فيها للملك عبد العزيز، إذ كسر عبد العزيز شوكتهم، ولم تقم لهم - بعد ذلك - قائم[15] .
من هذا العرض يتبين لنا أن الملك عبد العزيز لو ترك حرا وأراءه لما قام بأي إجراء من شانه التضييق على الشيعة في عقائدهم وأفكارهم المذهبية، لكن الظروف التي كان واقعا فيها كانت أقوى منه:
يقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
ونعود إلى حياة الشيخ علي بن حسنعلي الخنيزي (أبوعبد الكريم) لقد ظل زعيما للبلاد وقاضيها، يتمتع باحترام المواطنين وإجلالهم له، وأشير إلى موقف إلى المرحوم (( خالد محمد الفرج )) الشاعر المعروف والذي سكن القطيف لمدة تزيد على ربع القرن، وكان أول رئيس للبلدية عند أول تأسيسها، والذي اندمج في المجتمع القطيفي وصادق علماءها وأدباءها وشخصياتها، ورثى من توفي من علمائها، لقد التقى خالد الفرج يوما في الطريق بالشيخ وكان كل منهما راكبا أتانه (الحمارة، وسيلة المواصلات يومذاك) فسلم خالد على الشيخ بالإيماء من بعيد ولم يقترب منه ويصافحه، ولما وصل خالد البيت أدرك أنه لم يقم بما يجب عليه من احترام للشيخ، فأرسل إليه أبياتا يعتذر فيها إليه من إساءة الأدب معه، وهي:
أمولاي إني أسأت الأدب
وقصرت، مولاي، فيما يجب
وكان لزاما علي النزول
لتقبيل أيـديـكم والركب
ولكنني عـالم إن نزلـت
نزلتم إلي برغـم التـعب
وإن تواضعكم للصغـار
أعلى مقـامكم في الر تب
فآثرت راحتـكم واثـقـا
بعفـوكم إن بسطت اللبب
أدامـكم الله فينا سنيـن
وبارك ربك فيما وهـب
وفي شهر محرم عام 1362 هـ مرض الشيخ وسافر للبحرين للعلاج، غير أن المنية وافته هناك في البحرين في الثالث من شهر صفر عام 1362 هـ وقد نقل جثمانه للقطيف في سفينة شراعية، وقد صحب الجثمان عدد من شخصيات البحرين، وبعض من تجار القطيف الذين كانوا يمارسون تجارتهم في البحرين، وقد تصدر حفل التأبين - الفاتحة - عمه العلامة (( الشيخ علي بن حاج حسن الخنيزي )) (أبو حسن) الذي خلفه في القضاء، كما أن الملك عبد العزيز أرسل برقية تعزية لأسرته، كما رثاه عدد من الشعراء، لكن المقام لا يتسع لإيراد شيء من هذه المراثي، رحم الله الشيخ علي، وأسكنه فسيح جناته.
* * *
صورة رسالة من الشيخ علي لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود
بسم الله عز وجل
نحمده والحمد من نعمائه، ونشكره والشكر من آلائه، على ما أولانا من نعم أسداها، ومن آلاءٍ أبداها، ونشهد له بالربوبية بلا أمد، وبالوحدانية بلا عدد، لم يزل ربا رحيما، وعدلا كريما، خلق الخلق على غير مثال، ورتبهم على حسب الاستعداد في كل الأحوال، بحكمته البالغة، وسلطانه القديم، والصلاة والسلام على خاتم رسله، وسيد أنبيائه، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه وأولي الأمر من بعده، حملة أسرار الدين، لطف الله في خلقه، وأوتادا في بسيطته، سلام الله عليهم أجمعين.
حضرة الملك المفخم والسلطان المعظم عبد العزيز الموقر بن الإمام المبجل الشيخ عبد الرحمن آل فيصل أدام الله أيام لطفه وتأييده وعزه آمين.
أنهي لكم فاضل التحيات، وكامل التسليمات، وأبدي لكم دائم الدعوات، وادًّا لكم النصر والتأييد، ودوام الأمر على التأبيد، آمين آمين، وأبدي لكم شكري على نعمائكم، ومدحي على فعالكم، وثنائي على جودكم، وتشريفي بحسن أخلاقكم.
لا يخفى على سعادتكم،أحوال خدامكم أهل القطيف، فقد انسدت عليهم السبل، وضلت بهم جواري السفن فهم في ظلمة البحر حيارى، لا يهتدون إلى سبيل قد آل أمرهم إلى العجز عن مداراة إحياء نفوس محترمة، قد خانهم الدهر الخؤون، وما خان بمن أنت عمادهم، وما ضل من أنت سيدهم، فالشكوى إلى الله ثم إليكم، مما نزل بهم، فاستل ما بيدهم منازلة، ولو لم يكن لعجز ما بيد الأكثر عن أداء زكاته مضافا إلى ما يراد منهم من البواقي السابقة، ومضافا إلى ما عليهم من تبعات الخلق المتراكمة، فأعراضهم قد وقفت، وأسباب معاشهم قد تقطعت، وعز عليكم كشف الحقيقة إذ ما أبدي قليلا من كثير، وحيث أضر بهم الحال، ولم يجدوا ملجأً ومجالا إلا التوكل والتفويض، وقد هم الكثير في المفزع إلى الله ثم إليكم مستصرخين مستغيثين فأقعدهم العجز عما به تقوم الحركة، وحالهم قد حرك الجماد، فحينئذ لما آل أمرهم إلى ذلك نهض الشهم النسيب، ذو الشرف القديم، الفاضل الكريم، والأمجد المفخم، الشيخ شيخ محمد علي الجشي مع ذي الشرف الأمجد ذي النفس الأبيَّة، علي بن حسن أبو السعود مع ما هما عليه من ضيق الحال غيرة لكم بكشف الحال، ورجاء البلوغ بمشاهدة أخلاقكم الجميلة آمِّين فضلكم، مستصرخين مستغيثين، ولقد صدقا وأصابا المحل، فأنتم أهل للإغاثة شأنكم إجابة الصريخ، وإغاثة الملهوف، فالأمل من اللطف المعروف، والإحسان الموصوف، والأخلاق الحميدة أن يرجعا مسرورين بالمشاهدة ونيل المرام، والعفو عن التجاسر، ورجائي قبول تحياتي، وإبلاغ سلامي الأنجال الكرام، والأخوان الفخام، من العاجز ومن عامة الخدام، دمتم بعناية الله ومدده والسلام.
في 18 رجب 1354 هـ
قاضي القطيف
علي بن حسن علي آل الخنيزي
381629 | افتتاحيات | رسالة إلى القراء | مخطوطات ووثائق | أدب وشعر | ثقافة وفكر | إصدارات | تاريخ وتراث | ملف العدد | منوعات | شخصيات | تعقيبات | الأخيرة | صفحات قديمة | أخبار الواحة | هيئة التحرير |